المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عشرة أسباب للعصمة من كيد الشيطان الرجيم


هيئة الإشراف
_17 _January _2014هـ الموافق 17-01-2014م, 03:12 AM
عشرة أسباب للعصمة من كيد الشيطان الرجيم


قال - رحمه الله - في خاتمة تفسير المعوّذَتين في "بدائع الفوائد": (ونَخْتِمُ الكلامَ على السورتين بذِكْرِ قاعدةٍ نافعةٍ
فيما يَعْتَصِمُ به العَبْدُ من الشيطانِ، ويَسْتَدْفِعُ به شَرَّهُ ويَحْتَرِزُ به منه.
وذلك عشرةُ أسبابٍ:
أحدُها: الاستعاذةُ باللهِ من الشيطانِ؛ قالَ تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[فصلت:36] وفي مَوْضِعٍ آخَرَ: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف:200].
وقد تَقَدَّمَ أنَّ السمْعَ المرادُ به ههنا سَمْعُ الإجابةِ، لا مُجَرَّدُ السمْعِ العامِّ، وتَأَمَّلْ سِرَّ القرآنِ كيفَ أَكَّدَ الوَصْفَ بالسميعِ العليمِ بذِكْرِ صيغةِ (هو) الدالِّ على تأكيدِ النِّسبةِ واختصاصِها، وعَرَّفَ الوَصْفَ بالألِفِ واللامِ في سورةِ (حم) لاقتضاءِ الْمَقامِ لهذا التأكيدِ، وتَرَكَه في سورةِ الأعرافِ لاستغناءِ الْمَقامِ عنه؛ فإنَّ الأمْرَ بالاستعاذةِ في سورةِ (حم) وَقَعَ بعدَ الأمْرِ بأشَقِّ الأشياءِ على النفْسِ، وهو مُقابَلَةُ إساءةِ المسيءِ بالإحسانِ إليه، وهذا أمْرٌ لا يَقدِرُ عليه إلا الصابرونَ، ولا يُلَقَّاهُ إلا ذو حظٍّ عظيمٍ، كما قالَ اللهُ تعالى.
والشيطانُ لا يَدَعُ العبْدَ يَفعَلُ هذا، بل يُرِيه أنَّ هذا ذُلٌّ وعَجْزٌ ويُسَلِّطُ عليه عَدُوَّه فيَدْعُوه إلى الانتقامِ ويُزَيِّنُه له، فإنْ عَجَزَ عنه دَعاهُ إلى الإعراضِ عنه، وأن لا يُسيءَ إليه، ولا يُحْسِنَ فلا يُؤْثِرُ الإحسانَ إلى الْمُسيءِ إلا مَن خالَفه، وآثَرَ اللهَ وما عندَه على حَظِّه العاجِلِ، فكان الْمَقامُ مَقامَ تأكيدٍ وتَحريضٍ؛ فقالَ فيه: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[فصلت:36].
وأمَّا في سورةِ الأعرافِ فإنه أَمَرَه أن يُعْرِضَ عن الجاهلينَ، وليس فيها الأمْرُ بِمُقابَلَةِ إساءتِهم بالإحسانِ بل بالإعراضِ، وهذا سَهْلٌ على النفوسِ غيرُ مُسْتَعْصٍ عليها، فليس حِرْصُ الشيطانِ وسَعْيُه في دَفْعِ هذا كحِرْصِه على دَفْعِ الْمُقَابَلَةِ بالإحسانِ، فقالَ: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف:200].
وقد تَقَدَّمَ ذِكْرُ الفَرْقِ بينَ هذين الموضعينِ وبينَ قولِه في (حم المؤمن):{فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[غافر:56] وفي صحيحِ البخاريِّ، عن عَدِيِّ بنِ ثابتٍ، عن سليمانَ بنِ صُرَدَ قالَ: كنتُ جالسًا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَجلان يَسْتَبَّانِ، فأحدُهما احْمَرَّ وجْهُه وانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُه، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ)).

الْحِرْزُ الثاني: قراءةُ هاتينِ السورتينِ فإنَّ لهما تأثيرًا عَجِيبًا في الاستعاذةِ باللهِ من شَرِّه ودَفْعِه والتحصُّنِ منه.
ولهذا قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ بِمِثْلِهِمَا)) وقد تَقَدَّمَ أنه كان يَتَعَوَّذُ بهما كلَّ ليلةٍ عندَ النومِ، وأَمَرَ عُقبةَ أن يَقرأَ بهما دُبُرَ كلِّ صلاةٍ، وتَقَدَّمَ قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ مَنْ قَرَأَهُمَا مَعَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثًا حِينَ يُمْسِي وَثَلَاثًا حِينَ يُصْبِحُ كَفَتْهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)).

الْحِرْزُ الثالثُ: قراءةُ آيةِ الكُرْسِيِّ، ففي الصحيحِ من حديثِ مُحَمَّدِ بنِ سيرينِ، عن أبي هُريرةَ قالَ: وَكَّلَنِي رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحفْظِ زكاةِ رَمضانَ، فأتى آتٍ فجَعَلَ يَحْثُو من الطعامِ، فأَخَذْتُه فقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذَكَرَ الحديثَ فقالَ: ((إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ولا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ)) فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ الشَّيْطَانُ)) وسنَذْكُرُ إن شاءَ اللهُ تعالى السرَّ الذي لأجْلِه كان لهذه الآيةِ العظيمةِ هذا التأثيرُ العظيمُ في التَّحَرُّزِ من الشيطانِ، واعتصامِ قارِئِها بها، في كلامٍ مُفْرَدٍ عليها و على أسرارِها وَكُنوزِها بعَوْنِ اللهِ وتأييدِه.

الْحِرْزُ الرابعُ: قراءةُ سورةِ البقرةِ، ففي الصحيحِ من حديثِ سَهْلٍ، عن عبدِ اللهِ، عن أبي هُريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَإنَّ الْبَيْتَ الذي تُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ)).

الْحِرْزُ الخامسُ: قِراءةُ خاتِمَةِ سورةِ البقرةِ، فقد ثَبَتَ في الصحيحِ من حديثِ أبي موسى الأنصاريِّ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ)) وفي التِّرمذيِّ، عن النُّعمانِ بنِ بشيرٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَلَ مَنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبَهَا شَيْطَانٌ)).

الْحِرْزُ السادسُ: أوَّلُ سورةِ حم المؤمِنِ إلى قولِه: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}[غافر:3] مع آيةِ الكُرْسِيِّ، في التِّرمذيِّ من حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكرٍ، عن ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عن زُرارةَ بنِ مُصْعَبٍ، عن أبي سَلَمَةَ، عن أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ حم المؤمِنَ إلى {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}وآيةَ الكُرْسِيِّ، حينَ يُصبِحُ حُفِظَ بهما حتى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَرَأَهُمَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِمَا حَتَّى يُصْبِحَ)) وعبدُ الرحمنِ المُلَيْكِيُّ، وإن كان قد تُكُلِّمَ فيه من قِبَلِ حِفْظِه فالحديثُ له شَواهدُ في قراءةِ آيةِ الكرسيِّ، وهو مُحْتَمِلٌ على غَرابتِه.

الْحِرْزُ السابعُ: لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَه لَا شَريكَ له، له الْمُلْكُ وله الْحَمْدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ مائةَ مرَّةٍ.
ففي الصحيحينِ من حديثِ سُمَيٍّ مولَى أبي بَكْرٍ، عن أبي صالِحٍ، عن أبي هُريرةَ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مِائةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ)) فهذا حِرْزٌ عظيمُ النفْعِ جليلُ الفائدةِ يَسيرٌ سَهْلٌ على مَن يَسَّرَه اللهُ عليه.

الحرْزُ الثامِنُ: وهو من أَنْفَعِ الْحُروزِ من الشيطانِ كثرةُ ذكْرِ اللهِ - عَزَّ وجَلَّ - ففي التِّرْمِذِيِّ من حديثِ الحارِثِ الأشعريِّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ ((إِنَّ اللهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِماتٍ أن يَعْمَلَ بها ويَأْمُرَ بني إسرائيلَ أن يَعْمَلوا بها، وأنه كاد أن يُبْطِئَ بها؛ فقالَ عِيسى: إنَّ اللهَ أَمَرَك بخَمْسِ كلماتِ لتَعْمَلَ بها وتَأْمُرَ بني إسرائيلَ أن يَعْمَلوا بها فإِمَّا أن تَأْمُرَهُم وإِمَّا أن آمُرَهُم.
فقالَ يَحْيَى: أَخْشَى إن سَبَقْتَنِي بها أن يُخْسَفَ بي أو أُعَذَّبَ، فجَمَعَ الناسَ في بيتِ الْمَقدِسِ فامْتَلأَ وقَعَدوا على الشُّرَفِ فقالَ: إنَّ اللهَ أَمَرَني بخَمْسِ كلماتٍ أن أَعْمَلَ بِهِنَّ وآمُرَكُم أن تَعملوا بهِنَّ،
أَوَّلُهُنَّ: أن تَعْبُدوا اللهَ ولا تُشْرِكوا به شيئًا، وأنَّ مَثَلَ مَن أَشْرَكَ باللهِ كمَثَلِ رجلٍ اشترى عَبْدًا من خالِصِ مالِه بذَهَبٍ أو وَرِقٍ فقالَ: هذه داري وهذا عَمَلِي، فاعْمَلْ وأَدِّ إليَّ؛ فكان يَعملُ ويُؤَدِّي إلى غيرِ سيِّدِه، فأَيُّكُمْ يَرْضَى أنْ يَكونَ عَبْدُه كذلك، - وأنَّ اللهَ أَمَرَكم بالصلاةِ؛ فإذا صَلَّيْتُم فلا تَلْتَفِتوا؛ فإنَّ اللهَ يَنْصُبُ وَجْهَه لوجْهِ عَبْدِه في صلاتِه ما لم يَلْتَفِتْ.
- وأَمَرَكُم بالصيامِ؛ فإنَّ مَثَلَ ذلك كمَثَلِ رجُلٍ في عِصابةٍ معه صُرَّةٌ فيها مِسكٌ، فكُلُّهم يُعْجَبُ أو يُعْجِبُه رِيحُها، وإنَّ ريحَ الصائمِ أَطْيَبُ عندَ اللهِ من ريحِ الْمِسكِ.
- وأَمَرَكم بالصَّدَقَةِ؛ فإنَّ مَثَلَ ذلك كمَثَلِ رجُلٍ أَسَرَه العدوُّ فأَوْثَقُوا يَدَه إلى عُنُقِه وقَدَّمُوه ليَضْرِبوا عُنُقَه، فقالَ: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُم بالقليلِ والكثيرِ فَفَدَى نفسَه منهم.
- وأَمَرَكُم أن تَذْكُروا اللهَ؛ فإنَّ مَثَلَ ذلك كمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العدُوُّ في أَثَرِه سِراعًا حتى أَتَى على حِصْنٍ حَصينٍ فأَحْرَزَ نفسَه منه، كذلك العَبْدُ لا يَحْرُزُ نفسَه من الشيطانِ إلا بذِكْرِ اللهِ)).
قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ، اللهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: السَّمْعُ، والطاعةُ، والْجِهادُ، والْهِجرةُ، والْجَماعةُ، فإنَّ مَن فَارَقَ الْجَماعةَ قِيدَ شِبْرٍ فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ من عُنُقِه إلا أنْ يُرَاجِعَ، ومَن ادَّعَى دَعْوَى الجاهليَّةِ فإنه من جثَاءِ جَهَنَّمَ)).
فقالَ رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، وإن صَلَّى وصَامَ، قالَ: ((وإِنْ صَلَّى وصَامَ، فادْعُوا بدَعْوَى اللهِ الذي سَمَّاكُمُ المسلمينَ المؤمنينَ عِبَادَ اللهِ)) قالَ التِّرمذيُّ: هذا حديثٌ حسَنٌ غريبٌ صحيحٌ. وقالَ البخاريُّ: الحارثُ الأشعريُّ له صُحْبَةٌ، وله غيرُ هذا الحديثِ.
فقد أَخْبَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ أنَّ العبْدَ لا يَحْرُزُ نفسَه من الشيطانِ إلا بذِكْرِ اللهِ، وهذا بعينِه هو الذي دَلَّتْ عليه سورةُ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، فإنه وَصَفَ الشيطانَ فيها بأنه الْخَنَّاسُ، والْخَنَّاسُ الذي إذا ذَكَرَ العبْدُ اللهَ انْخَنَسَ، وتَجَمَّعَ وانْقَبَضَ، وإذا غَفَلَ عن ذِكْرِ اللهِ الْتَقَمَ القلْبَ وأَلْقَى إليه الوَساوِسَ التي هي مَبادئُ الشرِّ كلِّه، فما أَحْرَزَ العبْدُ نَفْسَه من الشيطانِ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

الحِرْزُ التاسعُ: الوُضوءُ والصلاةُ، وهذا من أَعْظَمِ ما يُتَحَرَّزُ به منه، ولا سيَّما عندَ تَوَارُدِ قُوَّةِ الغضَبِ والشهوةِ، فإنها نارٌ تَغْلِي في قلْبِ ابنِ آدَمَ، كما في التِّرْمِذِيِّ من حديثِ أبي سعيدٍ الْخُدريِّ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: ((أَلَا وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ، فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَلْصَقْ بِالْأَرْضِ)).
وفي أَثَرٍ آخَرَ: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ نَارٍ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ)) فما أَطفأَ العبْدُ جَمرةَ الغضَبِ والشهوةِ بِمِثلِ الوُضوءِ والصلاةِ، فإنها نارٌ والوُضوءُ يُطفِئُها، والصلاةُ إذا وَقَعَتْ بخشوعِها والإقبالِ فيها على اللهِ أَذْهَبَتْ أَثَرَ ذلك كلِّه، وهذا أَمْرٌ تَجْرِبَتُه تُغْنِي عن إقامةِ الدليلِ عليه.

الْحِرْزُ العاشِرُ: إمساكُ فضولِ النظَرِ والكلامِ والطعامِ ومُخالَطَةِ الناسِ، فإنَّ الشيطانَ إنما يَتَسَلَّطُ على ابنِ آدمَ، ويَنالُ منه غَرَضَه من هذه الأبوابِ الأربعةِ، فإنَّ فُضولَ النظَرِ يَدعو إلى الاستحسانِ ووقوعِ صورةِ الْمَنظورِ إليه في القلْبِ والاشتغالِ به والفِكرةِ في الظَّفَرِ به، فمَبدأُ الفِتنةِ من فُضولِ النظَرِ، كما في الْمُسْنَدِ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: ((النَّظْرَةُ سَهْمٌ مَسمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ للهِ أَوْرَثَهُ اللهُ حَلَاوَةً يَجِدُهَا فِي قَلْبِهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ)) أو كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالحوادثُ العِظامُ إنما كلُّها من فُضولِ النظَرِ، فكم نَظرةٍ أَعْقَبَتْ حَسَراتٍ لا حَسرةً، كما قالَ الشاعرُ:
كلُ الحوادثِ مَبْدَاها من النظَرِ ... ومُعْظَمُ النارِ من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
كم نَظرةٍ فتَكَتْ في قلْبِ صاحبِها ... فتْكَ السهامِ بلا قَوْسٍ ولا وَتَرِ
وقالَ الآخَرُ:


وكنتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَك رائدًا ... لقَلْبِكَ يومًا أَتْعبَتْك المناظِرُ
رأيتَ الذي لا كُلُّه أنت قادِرٌ ... عليه ولا عن بعضِه أنت صابِرُ
وقالَ المتنَبِّي:


وأنا الذي جَلَبَ الْمَنِيَّةَ طَرْفُه ... فمَنِ الْمَطالَبُ والقتيلُ القاتلُ؟!
ولي في أبياتٍ:


يا راميًا بسهامِ اللحْظِ مُجْتَهِدًا ... أنت القتيلُ بما تَرْمِي فلا تُصِبِ
وباعِثَ الطرْفِ يَرتادُ الشفاءَ له ... تَوَقَّهُ إنه يَرْتَدُّ بالعَطَبِ
تَرجُو الشفاءَ بأحداقٍ بها مَرَضٌ ... فهل سَمِعْتَ بِبُرْءٍ جاءَ من عَطَبِ
ومُفْنِيًا نفسَه في إِثرِ أَقْبَحِهم ... وصْفا لِلَطْخِ جمالٍ فيه مُسْتَلَبِ
وواهبًا عُمْرَه في مِثلِ ذا سَفَهًا ... لو كنتَ تَعْرِفُ قدْرَ العُمْرِ لم تَهَبِ
وبائعًا طِيبَ عيْشٍ ما لَه خَطَرٌ ... بطَيْفِ عيشٍ من الآلامِ مُنْتَهَبِ
غُبِنْتَ واللهِ غَبْنًا فاحشًا فلو اسـ ... ـتَرْجَعْتَ ذا العَقْدَ لم تُغْبَنْ ولم تَخِبِ
ووَارِدًا صَفْوَ عيشٍ كلُّه كَدَرٌ... أمامَك الوِرْدُ صَفْوًا ليس بالكَذِبِ
وحاطِبُ الليلِ في الظلماءِ مُنْتَصِبًا... لكلِّ داهيةٍ تُدْني من العَطَبِ
شابَ الصِّبَا والتصابِي بعدُ لم يَشِبِ... وضاعَ وَقْتُك بينَ اللهوِ واللعبِ
وشَمْسُ عُمْرِك قد حانَ الغروبُ لها... والضيُّ في الأفُقِ الشرقيِّ لم يَغِبِ
وفازَ بالوَصْلِ مَن قد فازَ وانْقَشَعَتْ... عن أُفْقِه ظُلماتُ الليلِ والسُّحُبِ
كم ذا التخلُّفِ والدنيا قد ارْتَحَلَتْ... ورُسْلُ ربِّك قد وافَتْكَ في الطلَبِ
ما في الديارِ وقد سارتْ ركائِبُ مَن... تَهواهُ للصَّبِّ من سُكْنَى ولا أَرَبِ

فأَفْرِشِ الْخَدَّ ذَيَّاك الترابَ وقُلْ ... ما قالَه صاحبُ الأشواقِ في الحقَبِ
ما رَبْعُ مَيَّةَ مَحفوفًا يَطُوفُ به... غَيلانُ أَشْهى له من رَبعِكَ الْخَرِبِ
ولا الخدودُ وقد أُدْمِينَ من ضَرَجٍ... أَشْهَى إلى نَاظِرِي من خَدِّكَ التَّرِبِ
منازِلاً كان يَهواها ويَأْلَفُها... أيَّامَ كان منالُ الوَصْلِ عن كَثَبِ
فكُلَّمَا جُلِيَتْ تلك الرُّبوعُ له... يَهْوِي إليها هَوِيَّ الماءِ في صَبَبِ
أَحْيَا له الشوقُ تَذكارَ العُهودِ بها... فلو دعا القلْبَ للسُّلوانِ لم يُجِبِ
هذا وكَمْ مَنزِلٍ في الأرضِ يأْلَفُه... وما له في سواها الدَّهْرَ من رَغَبِ
ما في الْخِيامِ أخو وَجْدٍ يُريحُك إن... بَثَثْتَه بعضَ شأنِ الحبِّ فاغْتَرِبِ
وأَسْرِ في غَمَرِاتِ الليلِ مُهْتَديًا... بنفحَةِ الطِّيبِ لا بالنارِ والحطَبِ
وعادِ كلَّ أَخِي جُبْنٍ ومَعْجَزَةٍ... وحارِبِ النفْسَ لا تُلقيكَ في الْحَرَبِ
وخُذْ لنفسِكَ نورًا تَستضِيءُ به... يومَ اقتسامِ الْوَرَى الأنوارَ بالرُّتَبِ
فالْجِسْرُ ذو ظُلماتٍ ليس يَقْطَعُه... إلا بنورٍ يُنَجّي العبْدَ في الكُرَبِ




والمقصودُ أنَّ فُضولَ النظَرِ أصلُ البلاءِ، وأمَّا فُضولُ الكلامِ فإنها تَفْتَحُ للعبْدِ أبوابًا من الشرِّ، كلُّها مَداخِلُ للشيطانِ، فإمساكُ فُضولِ الكلامِ يَسُدُّ عنه تلك الأبوابَ كلَّها، وكم من حَرْبٍ جَرَّتْها كلِمَةٌ واحدةٌ، وقد قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعاذٍ: ((وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ في النَّارِ إلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)). وفي التِّرمذيِّ أنَّ رجلًا من الأنصارِ تُوُفِّيَ فقالَ بعضُ الصحابةِ: طُوبَى له. فقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَمَا يُدْرِيكَ فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بَمَا لَا يَعْنِيهِ أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يَنْقُصُه)).
وأكثرُ المعاصي إنما تَوَلُّدُها من فُضولِ الكلامِ والنظَرِ، وهما أَوْسَعُ مَداخِلِ الشيطانِ؛ فإنَّ جَارِحَتَيْهِما لا يَمَلَّانِ ولا يَسْأَمَانِ، بخلافِ شَهوةِ البطْنِ فإنه إذا امْتَلَأَ لم يَبْقَ فيه إرادةٌ للطعَامِ، وأمَّا العينُ واللسانُ فلو تُرِكَا لم يَفْتُرَا من النظَرِ والكلامِ فجِنَايَتُهما مُتَّسِعَةُ الأطرافِ كثيرةُ الشُّعَبِ عَظيمةُ الآفاتِ، وكان السلَفُ يُحَذِّرُونَ من فُضولِ النظَرِ كما يُحَذِّرونَ من فُضولِ الكلامِ، وكانوا يَقولون: ما شيءٌ أَحْوَجَ إلى طولِ السجْنِ من اللسانِ.
وأمَّا فُضولُ الطعامِ فهو داعٍ إلى أنواعٍ كثيرةٍ من الشرِّ فإنه يُحَرِّكُ الْجَوارحَ إلى الْمَعاصي، ويُثْقِلُها عن الطاعاتِ، وحَسْبُك بهذين شَرًّا، فكم من معصيةٍ جَلَبَها الشِّبَعُ وفضولُ الطعامِ وكم من طاعةٍ حالَ دونَها؛ فمن وُقِيَ شرَّ بَطْنِه فقد وُقِيَ شرًّا عظيمًا، والشيطانُ أَعْظَمُ ما يَتَحَكَّمُ من الإنسانِ إذا مَلَأَ بطْنَه من الطعامِ.
ولهذا جاءَ في بعضِ الآثارِ: ضَيِّقُوا مَجارِيَ الشيطانِ بالصوْمِ. وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ)) ولو لم يكنْ في الامتلاءِ من الطعامِ إلا أنه يَدْعُو إلى الغَفْلَةِ عن ذِكْرِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وإذا غَفَلَ القلْبُ عن الذكْرِ ساعةً واحدةً جَثَمَ عليه الشيطانُ ووَعَدَه ومَنَّاهُ وشَهَّاهُ وهَامَ به في كلِّ وادٍ؛ فإنَّ النفْسَ إذا شَبِعَتْ تَحَرَّكَتْ وجالَتْ وطَافَتْ على أبوابِ الشهواتِ، و إذا جاعَتْ سَكَنَتْ وخَشَعَتْ وذَلَّتْ.
وأمَّا فُضولُ الْمُخالَطَةِ فهي الداءُ العُضالُ الجالِبُ لكلِّ شرٍّ، وكم سَلَبَت الْمُخالَطَةُ والمعاشَرَةُ من نِعمةٍ، وكم زَرَعَتْ عن عَداوةٍ، وكم غَرَسَتْ في القلْبِ من حَزَازَاتٍ تَزولُ الجبالُ الراسياتُ وهي في القلوبِ لا تَزولُ، فُضولُ المخالطَةِ فيه خَسارةُ الدنيا والآخرةِ، وإنما يَنبغِي للعَبْدِ أن يَأْخُذَ من المخالَطَةِ بِمِقدارِ الحاجةِ، ويَجعلَ الناسَ فيها أربعةَ أقسامٍ متى خَلَطَ أحدُ الأقسامِ بالآخَرِ، ولم يُمَيِّزْ بينَهما دَخَلَ عليه للشرِّ:
أحدُها: مَن مُخالَطَتُه كالغذاءِ لا يَسْتَغْني عنه في اليومِ والليلةِ، فإذا أَخَذَ حاجَتَه منه تَرَكَ الْخُلطةَ، ثم إذا احتاجَ إليه خالَطَه، هكذا على الدوامِ، وهذا الضَّرْبُ أعَزُّ من الكِبريتِ الأحمَرِ، وهم العُلماءُ باللهِ وأَمْرِه ومَكايِدِ عَدُوِّه وأمراضِ القلوبِ وأَدْوِيَتِها، الناصحونَ للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولِخَلقِه، فهذا الضرْبُ في مُخالَطَتِهم الربْحُ كلُّه.
القِسمُ الثاني: مَن مُخالَطَتُه كالدواءِ يُحتاجُ إليه عندَ الْمَرضِ فما دُمْتَ صحيحًا فلا حاجةَ لك في خُلطتِه، وهم مَن لا يُسْتَغْنَى عن مُخالطَتِهم في مَصلحَةِ المعاشِ وقِيامِ ما أنت مُحتاجٌ إليه من أنواعِ الْمُعاملاتِ والْمُشارَكاتِ، والاستشارةِ والعِلاجِ للأدواءِ ونحوَها، فإذا قَضَيْتَ حاجَتَكَ من مُخالَطَةِ هذا الضرْبِ بقِيَتْ مُخالطتُهم من القِسمِ الثالثِ: وهم مَن مَخالَطَتُه كالداءِ على اختلافِ مَراتبِه وأنواعِه وقوَّتِه وضَعْفِه.
- فمنهم مَن مُخالطَتُه كالداءِ العُضالِ والمَرَضِ الْمُزمِنِ، وهو مَن لا تَرْبَحُ عليه في دِينٍ ولا دنيا، ومع ذلك فلا بدَّ من أن تَخْسَرَ عليه الدينَ والدنيا أو أحدَهما؛ فهذا إذا تَمَكَّنَتْ مُخالَطَتُه واتَّصَلَتْ فهي مَرَضُ الموتِ الْمَخوفُ.
- ومنهم مَن مُخالطتُه كوَجَعِ الضِّرْسِ يَشْتَدُّ ضَربًا عليك؛ فإذا فارَقَكَ سكَنَ الألَمُ.
- ومِنهم مَن مُخالَطَتُه حُمَّى الرِّبْعِ وهو الثقيلُ البَغيضُ الذي لا يُحْسِنُ أن يَتكلَّمَ فيُفِيدَك ولا يُحْسِنُ أن يُنْصِتَ فيَستفيدَ منك، ولا يَعرِفُ نفسَه فيَضَعَها في مَنزِلتِها، بل إنْ تَكَلَّمَ فكلامُه كالْعِصِيِّ تَنْزِلُ على قلوبِ السامعينَ مع إعجابِه بكَلَامِه وفَرَحِه به، فهو يُحَدِّثُ من فيه، كُلَّمَا تَحَدَّثَ ويَظُنُّ أنه مِسْكٌ يَطيبُ به المجلِسُ، فإن سَكَتَ فأَثْقَلُ من نصفِ الرَّحَا العظيمةِ التي لا يُطاقُ حَمْلُها، ولا جَرُّها على الأرْضِ.
ويُذْكَرُ عن الشافعيِّ - رَحِمَه اللهُ – أنه قالَ: ما جَلَسَ إلى جانبي ثقيلٌ، إلا وَجَدْتُ الجانِبَ الذي هو فيه أَنْزَلَ من الجانِبِ الآخَرِ.
ورأيْتُ يومًا عندَ شَيخِنا -قَدَّسَ اللهُ رُوحَه- رَجُلًا من هذا الضَرْبِ، والشيخُ يَحملُه، وقد ضَعُفَت القُوَى عن حَمْلِه، فالْتَفَتَ إليَّ، وقالَ: مُجالَسَةُ الثقيلِ حُمَّى الرِّبْعِ.
ثم قالَ: لكن قد أَدْمَنَتْ أَرواحُنا على الْحُمَّى؛ فصارَتْ لها عادةً أو كما قالَ.
وبالجُملةِ فمُخالَطَةُ كلِّ مخالِفٍ حُمّى للروحِ فعَرَضِيَّةٌ ولازِمَةٌ، ومِن نَكَدِ الدنيا على العَبْدِ أن يُبْتَلَى بواحِدٍ من هذا الضَّرْبِ، وليس له بُدٌّ من مُعاشَرَتِه ومُخالَطَتِه فلْيُعَاشِرْه بالمعروفِ حتى يَجعَلَ اللهُ له فَرَجًا وَمَخْرَجًا.
القِسمُ الرابعُ: مَن مُخالَطَتُه الْهُلْكُ كلُّه، ومُخالَطَتُه بمنزِلَةِ أَكْلِ السُّمِّ، فإن اتَّفَقَ لآكلِه تَرياقٌ، و إلا فأَحْسِنِ اللهَ فيه العزاءَ، وما أَكثَرَ هذا الضَّرْبَ في الناسِ، لا كَثَّرَهُمُ اللهُ، وهم أَهْلُ البِدَِع والضلالةِ الصادُّون عن سُنَّةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الداعون إلى خِلافِها، الذين يَصُدُّون عن سبيلِ اللهِ ويَبغونَها عِوَجًا، فيَجعلون البِدْعَةَ سُنَّةً والسُّنَّةَ بِدْعَةً، والمعروفَ مُنْكَرًا والمنكَرَ مَعروفًا:
- إن جَرَّدْتَ التوحيدَ بينَهم قالُوا: تَنَقَّصْتَ جَنابَ الأولياءِ والصالحينَ!!
- وإن جَرَّدْتَ الْمُتابَعَةَ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالُوا: أَهْدَرْتَ الأئمَّةَ المتبوعينَ!!
- وإن وَصَفْتَ اللهَ بما وَصَفَ به نفسَه، وبما وَصَفَه به رسولُه من غيرِ غُلُوٍّ ولا تَقصيرٍ قالُوا: أنت من الْمُشَبِّهِينَ!!
- وإن أَمَرْتَ بما أَمَرَ اللهُ به ورَسولُه من المعروفِ ونَهَيْتَ عمَّا نَهَى اللهُ عنه ورَسولُه من الْمُنْكَرِ قالُوا: أنت من الْمُفتنِين!!
- وإن اتَّبَعْتَ السنَّةَ وتَرَكْتَ ما خالَفَها قالُوا: أنت من أَهْلِ البِدَعِ الْمُضِلِّينَ!!
- وان انْقَطَعْتَ إلى اللهِ تعالى وخَلَّيْتَ بينَهم وبين جِيفةِ الدنيا قالُوا: أنت من الْمُلَبِّسِينَ!!
- وإن تَرَكْتَ ما أنت عليه واتَّبَعْتَ أهواءَهم فأنت عندَ اللهِ من الخاسرينَ وعندَهم من المنافقينَ!!
فالحزْمُ كلُّ الحزْمِ التماسُ مَرضاتِ اللهِ تعالى ورسولِه بإغضابِهم، وأن لا تَشتغلَ بإعتابِهم ولا باستعتابِهم، ولا تُبالِي بذَمِّهِم ولا بُغْضِهم، فإنه عينُ كمالِك كما قالَ:
وإذا أَتَتْكَ مَذَمَّتِي من نَاقِصٍ ... فهي الشهادةُ لي بأنِّيَ كاملُ

وقالَ آخَرُ:
وقد زَادَنِي حُبًّا لنفسي أنني ... بَغيضٌ إلى كلِّ امرئٍ غيرِ طائلِ

فمَن كان بوَّابَ قلْبِه وحارسَه من هذه الْمَداخلِ الأربعةِ التي هي أَصْلُ بلاءِ العالِمِ، وهي فُضولُ النظَرِ والكلامِ والطعامِ والمخالَطَةِ، واستَعْمَلَ ما ذَكَرْناه من الأسبابِ التسعَةِ التي تُحْرِزُه من الشيطانِ؛ فقد أَخَذَ بنصيبِه من التوفيقِ، وسَدَّ على نفسِه أبوابَ جَهنَّمَ، وفَتَحَ عليها أبوابَ الرحمةِ وانغَمَرَ ظاهِرُه وباطنُه، ويُوشِكُ أن يَحْمَدَ عندَ الْمَماتِ عاقِبَةَ هذا الدواءِ؛ فعندَ الْمَماتِ يَحْمَدُ القومُ التُّقَى، وفي الصباحِ يَحْمَدُ القومُ السُّرَى، واللهُ الْمُوَفِّقُ لا ربَّ غيرُه و لا إلهَ سِواهُ).

إدريس عبدالله
_28 _November _2015هـ الموافق 28-11-2015م, 11:04 PM
Ibn qayim said in the concluding part of his commentary on the last two chapter of the Quran in his book “Bada’ius- Sanaa’I”: we shall conclude our talk on the last two chapters by mentioning some beneficial principles on how a servant can gain protection from the devil defend himself from his evil. There are ten principles:
The first: seeking refuge with Allah from the devil. Allah says: “And if there comes to you from Satan an evil suggestion, then seek refuge in Allah. Indeed, He is the Hearing, the Knowing.” Narrated Sulaiman bin Surd:
While I was sitting in the company of the Prophet, two men abused each other and the face of one of them became red with anger, and his jugular veins swelled (i.e. he became furious). On that the Prophet said, "I know a word, the saying of which will cause him to relax, if he does say it. If he says: 'I seek Refuge with Allah from Satan.' then all is anger will go away." Somebody said to him, "The Prophet has said, 'Seek refuge with Allah from Satan."
The second: reciting the last two chapters of the Quran because they have a wonderful impact in seeking refuge with Allah from the evil of devil. That was why the Prophet said: “those seeking refuge do not have something better than them” and he used to seek refuge with them every night whenever he is about to sleep and he commanded Uqba to always recite them after each prayers, and he also said: “whoever recites them along with suratul ikhlaas three times morning and evening, it will suffice him from everything”.
The third: reciting Ayatul Qursi. Abu huraira narrated that: “The Messenger of Allah put me in charge of charity of Ramadan (Sadaqat-ul- Fitr). Somebody came to me and began to take away some food-stuff. I caught him and said, "I must take you to the Messenger of Allah… The Messenger of Allah said, "Verily, he has told you the truth though he is a liar.”
The fourth: reciting suratul baqara. Abu huraira narrated that the messenger Allah said: “do not turn your houses to graves, the devil does not enter the house in which suratul baqara is recited”.
The fifth: reciting the concluding part of suratul baqara. Abu Musa Al- Ansaaree narrated that the Prophet said: “whoever recites the last two verses of suratul baqara in the night it will suffice for him” in another hadith narrated by An-Nouman bin Basheer, the Prophet said: “verily, Allah wrote a book one thousand years before creation, He revealed two verses from it and completed suratul baqara with them, no one recites them for three night except that the devil will not be able to go close to him”
The sixth: reciting the first three verses of suratul ghaafir together with Ayatul Qursi.Abu Huraira narrated that the Prophet said: “whoever recites the first three verses of suratul ghaafir with Ayatul Qursi when he wakes up, he will be protected by them till evening, and whoever recites them in the evening, he will be protected by them till morning”.
The seventh: reciting laa ilaha illa Allah wahdahu laa shareeka lahu, lahul mulk wa lahul hamd, wahuwa ala kuli shai qadeer one hundred times. Abu Huraira narrated that the Prophet said: “whoever recites laa ilaha illa Allah wahdahu laa shareeka lahu, lahul mulk wa lahul hamd, wahuwa ala kuli shai qadeer one hundred times in a day (there is no true god except Allah. He is One and He has no partner with Him; His is the sovereignty and His is the praise, and He is Omnipotent),' he will have a reward equivalent to that for emancipating ten slaves, a hundred good deeds will be recorded to his credit, hundred of his sins will be blotted out from his scroll, and he will be safeguarded against the devil on that day till the evening; and no one will exceed him in doing more excellent good deeds except someone who has recited these words more often than him.”
The Eight: much remembrance of Allah. Al-Harith Al-‘Ash aree narrated that the Prophet said: "Indeed Allah commanded Yahya bin Zakariyya with five commandments to abide by, and to command the Children of Isra'il to abide by them. But he was slow in doing so. So 'Eisa said: 'Indeed Allah commanded you with five commandments to abide by and to command the Children of Isra'il to abide by. Either you command them, or I shall command them.' So Yahya said: 'I fear that if you precede me in this, then the earth may swallow me, or I shall be punished.' So he gathered the people in Jerusalem, and they filled [the Masjid] and sat upon its balconies. So he said: 'Indeed Allah has commanded me with five commandments to abide by, and to command you to abide by. The first of them is that you worship Allah and not associate anything with him. The parable of the one who associates others with Allah is that of a man who buys a servant with his own gold or silver, then he says to him: "This is my home and this is my business so take care of it and give me the profits." So he takes care of it and gives the profits to someone other than his master. Which of you would live to have a servant like that? And Allah commands you to perform Salat, and when you perform Salat then do not turn away, for Allah is facing the face of His worshipers as long as he does not turn away. And He commands you with fasting. For indeed the parable of fasting, is that of a man in a group with a sachet containing musk. All of them enjoy its fragrance. Indeed the breath of the fasting person is more pleasant to Allah than the scent of musk. And He commands you to give charity. The parable of that, is a man captured by his enemies, tying his hands to his neck, and they come to him to beat his neck. Then he said: "I can ransom myself from you with a little or a lot" so he ransoms himself from them. And He commands you to remember Allah. For indeed the parable of that, is a man whose enemy quickly tracks him until he reaches an impermeable fortress in which he protects himself from them. This is how the worshiper is; he does not protect himself from Ash-Shaitan except by the remembrance of Allah.'" The Prophet (ﷺ) said: "And I command you with five that Allah commanded me: Listening and obeying, Jihad, Hijrah, and the Jama'ah. For indeed whoever parts from the Jama'ah the measure of a hand-span, then he has cast off the yoke of Islam from his neck, unless he returns. And whoever calls with the call of Jahiliyyah then he is from the coals of Hell." A man said: "O Messenger of Allah! Even if he performs Salat and fasts?" So he (ﷺ) said: "Even if he performs Salat and fasts. So call with the call that Allah named you with: Muslims, believers, worshipers of Allah."
The Prophet has informed us in the above hadith that the servant does not protect himself from the devil except with the remembrance of Allah and that is what suratun Nass shows because it described the devil in it as a retreating whisperer.
The Ninth: ablution and prayers, and they are among the greatest protections especially when confronted with anger and desires because they are like fire burning the heart of the man. Abu Sa'eed Al-Khudri narrated that the Prophet said: Behold! Anger is an ember in the heart of the son of Adam, as you see it in the redness of his eyes and the bulge of his jugular veins. So whoever senses something from that, then let him cling to the ground." In another narration, the Prophet said: “verily, the devil was created from fire and fire is put off with water” thus, the servant can put off the ember of anger and desires with ablution.
The tenth: avoiding excess gaze, talk, food, and mixing around with people. This is because the devil only gains power over man through these four avenues. Excessive gaze invites to adoration and makes what is being looked to stick to the heart. Hence, excessive gaze is the foundation of all trials. That is why the Prophet said: “the gaze is a poisonous arrow from the devil, so whoever lower his gaze Allah will bequeath him a pleasure in his heart till the day of judgment.”