المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدرس الرابع: شرح المسائل الثلاث (1/2)


هيئة الإشراف
_10 _January _2014هـ الموافق 10-01-2014م, 06:00 PM
الدرس الرابع: شرح المسائل الثلاث (1/2)


بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

[المسائل الثلاث]


اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ: أَنَّهُ يَجبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ تَعَلُّمُ ثَلاَثِ هذِهِ المَسَائِلِ والعَمَلُ بهِنَّ:
الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ، والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبيلاً﴾ [المزمل:14-15].

الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: ﴿وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾[الجن:18].
الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لاَ يَجُوزُ لَهُ مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى:﴿لاَ تَجدُ قَوماً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَو أَبْنَآءَهُمْ أَو إِخْوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبهِمُ الإيمَانَ وأَيَّدَهُمْ برُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة:22].




عناصر الدرس:
· بيان مقاصد رسالة المسائل الثلاث
· شرح قوله: (اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل)
· شرح المسألة الأولى وهي قوله: (الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ..)
- إفراد الله تعالى بالخلق والرزق
- قوله: (وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً...)
- قوله: (بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ)
- قوله: (والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبيلاً﴾[المزمل:15، 16]).
· شرح قوله: (الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: ﴿وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ [الجن:18]).
- تفسير قول الله تعالى: ﴿وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا﴾[الجن:18].


قوله: (الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ).
· تضمنت هذه المسألةُ ثلاثة أمور:
- الأمر الأول: أن الله خلقنا ورزقنا، وهذا من توحيد الربوبية، ولا ينكره إلا ملحد.
- الأمر الثاني: أن الله لم يتركنا هملاً، وهذا أمر لا يمكن لمنتسب إلى الإسلام أن ينكره، وهذا لبيان حكمة الله تعالى وتقرير مبدأ الرسالة والبعث والجزاء.
- الأمر الثالث: أن الله تعالى أرسل إلينا رسولاً من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
· الأمر الثالث مترتّب على المقدمتين الأولى والثانية، ومن أقر بالرسالة لزمه الإقرار بمقتضاها، وهو أن من أطاع الرسول دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
· من أقر بهذه الأمور الثلاثة لزمه الإقرار بوجوب التوحيد، ولذلك قدّم رحمه الله هذه المسألة على المسألة الثانية.
· هذه المقدمات التي رتّب بعضها على بعض بعبارة وجيزه سهلة تتقبلها النفوس هي مدخل مهم للاحتجاج لوجوب التوحيد.
- بيان ذلك: أن أعظم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو إفراد الله تعالى بالعبادة؛ فمن عصاه في أعظم ما أمر به فهو من أهل النار.
- من ادّعى أنه يطيعه في أداء بعض الواجبات والانتهاء عن بعض المحرمات، وهو يعصيه في أعظم الأمور وأهمها، وما جاهد عليه الكفار وبين للناس أنه الفارقُ بين الإسلام والكفر، فهو عاصٍ للرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعته له في غير هذا الأمر لا تنفعه ما دام أنه لم يطعه في أهم الأمور وأصل الإسلام الذي من أجله بعثه.
- ثم ذكر الدليل على ذلك وهو قول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا﴾ [المزمل:14، 15] ليبين للقارئ أن تلقي العقيدة يجب أن يكون مبنياً على الدليل، وأنه لم يأت للمخاطب بكلام من تلقاء نفسه، بل بينه له ما يدل عليه الدليل الصحيح، وهذا من سمات العالم الرباني.
· هذا الترتيب يعرّفك بخبرة الشيخ رحمه الله وحسن معرفته بتقرير مسائل التوحيد، فبدأ بالأمور البينة السهلة المتفق عليها حتى مع من يخالف في بعض مسائل توحيد العبادة.
- البدء بالأمور المتفق عليها طريقة حسنة في الإقناع والإلزام بالحجة.
· الإقرار بأن الله خلقنا ورزقنا مستقرّ في غالب النفوس وتقتضيه الفطرة الصحيحة، لا يخالف فيه إلا ملحد.
- الشيخ رحمه الله كتب هذه الرسالة لأناس يعلم أنهم يقرون بتوحيد الربوبية، فبدأ بالأمر المتفق عليه.

قوله: ( الثانية: وهي أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا..)
· بعد أن قرَّر الشيخ المسألة الأولى بأسلوب قريب من أفهام المخاطبين، وافٍ بأركان الحجة العلمية انتقل إلى تقرير المسألة الثانية وهي مسألة وجوب التوحيد الذي هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله.
· تفطّن إلى حسن تعبير الشيخ في تقريره هذه المسألة بما دلّت عليه شهادة أن لا إله إلا الله.
· شهادة أن لا إله إلا الله تقتضي أن لا يعبد مع الله أحدٌ من خَلْقه مهما كان لا نبي مرسل ولا ملك مقرب؛ فالعبادة حق الله وحده.
· قوله: (إن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته) هذه العبارة المصاغة بعناية لا يستطيع المخالف في مسائل التوحيد إنكارها، وإن خالف في تسمية بعض الأمور عبادة.
· كثر الشرك في زمان الشيخ رحمه الله وانتشرت مظاهره من دعاء الصالحين وتقديم النذور للقبور والذبح لغير الله وغيرها، وهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال منهم من يصلي ويصوم ويحج ويقرأ القرآن ويظن أنه مسلم، وفي بعض البلدان اليوم من يفعل مثلهم.
· إذا قلت لهؤلاء: (إن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته) فإنهم لا ينازعونك في هذا الأمر، فاختار الشيخ التعبير بما هو أقرب إلى القبول.
· إذا أقروا بهذا لزمهم وجوب التوحيد وإفراد الله بالعبادة وتحريم الشرك والإقرارُ بأنه منافٍ للإسلام مناقض لمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله.
· مكث الشيخ سنوات طويلة وعمراً مديداً وهو يدعو إلى التوحيد ويناظر المجادلين فيه ويكشف الشبه ويقرر الحجج ويدعو العامة والعلماء والأمراء، ويعلِّم طلاب العلم مسائل التوحيد ويقررها لهم من وجوه كثيرة حتى يفهموها؛ فهو صاحب خبرة قيمة في هذا الباب.
· حصل للشيخ مع المخالفين في مسائل توحيد العبادة مناظرات ومخاصمات وحروب وفتن ومحن استمرت سنوات طويلة، وأكثر من كان يجادله ويناظره ويناصبه العداء علماء السوء وأهل البغي والحسد.
· كان الشيخ رحمه الله يخشى على العامة من فتنة علماء السوء فكان يجتهد في توضيح مسائل التوحيد لهم بأسلوب ميسر قريب من أفهامهم، وينتقي لهم العبارات بعناية بالغة، وقد فتح الله له في هذا الباب فتحاً عظيماً، ونفع به نفعاً كبيراً.

قوله: (الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لاَ يَجُوزُ لَهُ مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ)
· هذه المسألة هي من واجبات تحقيق الشهادتين، فمن أقر بالشهادتين إقراراً صحيحاً وعرف معناهما معرفة صحيحة لزمه أن يقرَّ بالمسألة الثالثة، وهي البراءة من الشرك وأهله.
· من أحبَّ الله ورسوله لزمه أن يحب من يحبه الله ورسوله، وأن يبغض من يبغضه الله ورسوله.
· هذه المسائل الثلاث ترجع إلى معاني الشهادتين ولوازمهما؛ فمن فقه معنى الشهادتين فقهاً صحيحاً عرف هذه المسائل الثلاث.
· هذا عرض موجز لبيان مقاصد هذه الرسالة، وسبب ترتيبها على هذا النحو.
· ينبغي لطالب العلم إذا أراد دراسة باب من أبواب العلم أن يتعرف على المقصد العام للباب قبل أن يدخل في تفاصيل عبارات المتن؛ فإنه إذا فَهِمَهُ سهل عليه بعد ذلك فهم جُمَلِه وفق هذا المقصد العام.

شرح عبارات المتن

قوله: (اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل)
· نصّه على كل مسلم ومسلمة هو من باب التأكيد واسترعاء الانتباه، وليعلم جميع المكلفين أنهم معنيون بهذا الواجب، وسواءٌ في ذلك الذكر والأنثى.
· تعلم هذه المسائلِ واجبٌ لأنها من معنى الشهادتين وواجباتهما، ومن عرف معنى الشهادتين معرفة صحيحة فقد عرف هذه المسائل الثلاث، وإن لم يقرأ هذه الرسالة.
· تنويع العبارات وعرض الحجج من أكثر من وجه مما ينبغي للداعية أن يعتني به، خصوصاً إذا كان يخاطب قوماً ألفوا المنكر واعتادوه.
· بعض الشُّبَه قد تَعْلَق ببعض القلوب ويصعب تخلصها منها، فعرض الحق وتقريره بأكثر من طريقة يفيد المهتدي زيادة اليقين، ويفيد من في قلبه شبهة في كشف شبهته.
· تنويع الاحتجاج من الهدي القرآني والنبوي، ومن تدبر القرآن والسنة وجد لذلك أمثلة كثيرة ولا سيما في المسائل الكبار كمسألة التوحيد والبعث والجزاء والنبوة وأن القرآن حق وغيرها من المسائل الكبار تجد تقريرها في القرآن والسنة من وجوه كثيرة.
· بعض العلماء إذا أجابوا عن بعض الشبه يجيبون عنها من وجوه كثيرة لأنّ كثرة الأدلة وتنوعها تورث اليقين في النفس وتزيل ما يلقيه الشيطان من الشبه.

المسألة الأولى وهي قوله: (الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ..)
إفراد الله تعالى بالخلق والرزق
· اعتقاد أن الله خلقنا ورزقنا فرض واجب، وهو من توحيد الربوبية.
- التوحيد على ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو إفراد الله تعالى بأفعاله من الخلق والملك والتدبير والرَّزق وغيرها.
- والقسم الثاني: توحيد الألوهية، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة.
- والقسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
· اعتقاد أن الله هو الخالق الرازق من توحيد الربوبية، ومن أنكر ذلك فهو كافر كفراً أكبر والعياذ بالله.
· الأدلة على أن الله خلقنا ورزقنا كثيرة منها قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: 40]، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 21]، وقوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: 96]، وقال تعالى في الرزق: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 58].
· أشار الله تعالى إلى الدليل العقلي على تفرده بالخلق بطريقة السبر والتقسيم وهو من الأدلة العقلية الملزمة في قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الطور: 35، 36].
· لا يخلو الأمر من واحدة من ثلاث حالاتٍ بالتقسيم الصحيح: إما خُلقوا من غير شيء، وإما خَلقوا أنفسهم، وإما خَلَقَهم خالقٌ غيرُ أنفسهم.
- لا شك أن القسمين الأولين باطلان، يدرك بطلانهما كل عاقل؛ والثالث: هو الحق الذي لا شك فيه، وهو جل وعلا خالقهم المستحق منهم أن يعبدوه وحده جل وعلا.
· قال جبير بن مطعم رضي الله عنه: أتيت المدينة في فداء بدر (وفي رواية: فداء المشركين) قال: وهو يومئذ مشرك قال: (فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة المغرب فقرأ فيها بـ [الطُّورِ] فلما بلغ هذه الآية:﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) ﴾[الطور: 35-38]كاد قلبي أن يطير)، وفي رواية: (فكأنما صُدِّعَ قلبي لقراءة القرآن) رواه أبو داوود الطيالسي وأحمدُ وأصله في الصحيحين وفيهما أنه قال: (وذلك أولَ ما وقر الإيمان في قلبي).
· من أسماء الله الحسنى "الخالق" و"الخلاق".
· إذا أحسن العبد التفكر في اسم الخالق جل وعلا امتلأ قلبه يقيناً وتعظيماً لله جل وعلا.
· كثرة مخلوقات الله وعظمة بعضها واتساعها من أظهر الأدلّة على عظمته جلّ وعلا وسعة علمه وقدرته.
· إتقان الخلق وإحكامه دليل على حكمة الله تعالى وعظيم قدرته ﴿ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت﴾ [الملك: 3].
· سير المخلوقات بنظام دقيق عجيب دليل على علم الله وحكمته وحسن تدبيره.
· إنشاء هذه المخلوقات العجيبة على غير مثال سابق دليل على عظمة الله وكمال غناه وبديع صنعه.
· الله تعالى هو بديع السموات والأرض الذي ابتدع خلقها العجيب، ولم يكتسب معرفة خلقها من أحد، وذلك لكمال علمه وقدرته وإحاطته.
· في عوالم الأفلاكِ والملائكةِ والإنس والجن والحيوانات والنباتات والرياح والسحاب والمياه وغيرها من العوالم الكثيرة والعجيبة ما تحار له الألباب، وفي كل عالَم من هذه العوالم أمم وأصناف لا يحصيها إلا من خلقها.
· في كل مخلوق من هذه المخلوقات دقائق وعجائب في تفاصيل خلقه تبهر العقول، فتستدل بها على حكمة خالقها جل وعلا وسعة علمه، وعظيم قدرته، فتبارك الله رب العالمين.
· دليل الخلق من أعظم وأظهر أدلة الربوبية ﴿أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون﴾ [النحل: 17].
· الله تعالى هو الذي خلق كل شيء، ولا يستطيع أحد أن يخلق كخلقه جل وعلا،
ولقد تحدى المشركين أن يخلقوا هم وآلهتهم ذباباً فلم يستطيعوا، بل تحداهم أن يسترجعوا ما يأخذه منهم الذباب!، وذلك غاية ما يكون من الضعف والذل؛ فكيف يدعون لما لا يخلق حقاً في العبادة؟!!
· الذي لا يخلق شيئاً لا يستحق أن يكون إلهاً، بل الإله الحق هو ربنا الذي انفرد بالخلق، فلذلك يجب إفراده بالعبادة، كما قال الله تعالى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ [الأعراف: 191].
· الإقرار بأن الله تعالى هو الخالق الرازق لم يخالف فيه إلا الملاحدةُ الذين ينكرون وجود الله تعالى، والمجوسُ الذين يزعمون أن للكون خالقين النور والظلمة.
· كان مشركو العرب يقرون بأن الله هو الخالق الرازق ومع ذلك لم يكونوا مسلمين لأنهم لم يخلصوا العبادة لله عز وجل ولم يطيعوا الرسول، قال الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العنكبوت: 61].
· من أقرَّ بأن الله تعالى هو الخالق الرازق ولم يخلص العبادة لله تعالى فهو مشرك كافر متوعَّد بهذا العذاب الأليم.

قوله: (وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً...)
· (همَلا) أي: مهمَلين بلا أمر ولا نهي ولا غاية.
· قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: 36]، قال: هملاً، رواه ابن جرير وغيره.
· أخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى: ﴿أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: 36]، قال: أن يُهمل.
· قال ابن جرير: (وقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: 36]، يقول تعالى ذكره: أيظنّ هذا الإنسان الكافر بالله أن يترك هملا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يُتَعَبَّد بعبادة).
· العرب تقول: إبلٌ هَمَل وَهَمْلَى إذا كانت مهملة مسيبة ليس لها راعٍ يرعاها.
· وهذا كما قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ (116) ﴾ [المؤمنون: 115، 116].
· الله تعالى يتنزَّه ويتعالى عن أن يخلق الخلق عبثاً ويتركهم هملاً، كيف يكون ذلك وهو الحكيم الخبير؟!!
· خلقنا الله لغاية عظيمة بينها الله تعالى بقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) ﴾ [الذاريات: 56-58].
· بيّن الله لنا أنه خلقنا لعبادته، وبيّن لنا كيف نعبده؛ وذلك بطاعة الرسل الذين أرسلهم إلينا فمن أطاعهم فقد عبد الله كما يحب الله، ومن عصاهم فقد استحق العذاب لأنه لم يمتثل الأمر الذي خلق لأجله.

قوله: (بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ)
· (بل) إذا تقدمها نفي فهي لتقرير هذا النفي وتأكيده، ويكون ما بعدها بيان وتوجيه يعرف به صحة النفي السابق، وهذا كما في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾[النساء: 157، 158]؛ فإثبات رفع عيسى عليه السلام بيان لصحة النفي السابق وهو أنه لم يقتل.
· (ولم يتركنا هملا، بل أرسل إلينا رسولاً): رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم تؤكد صحة أننا لم نُترك هملاً.
· هذا الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار.
· قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: 13، 14].
· طاعة الرسول طاعة لله تعالى، قال الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: 80].
· الناس في شأن الرسول قسمان: مطيع ومتولي، ومن صفات العصاة اللازمة أنهم متولّون متعدون لحدود الله عز وجل.
· من أصول تقرير وجوب التوحيد: بيان وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن أعظم ما جاءت به الرسل: توحيد الله عز وجل.
· من أقر برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لزمه تصديقه فيما يخبر به وطاعته فيما يأمر به واجتناب ما ينهى عنه لأن هذا هو معنى الإيمان بالرسول.
· عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( والذِي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيده لا يسمع بي أحَدٌ من هذه الأمّة، يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ يموت ولم يؤمِن بالذي أرْسلتُ بهِ إلا كانَ مِن أصْحابِ النَّار)). رواه مسلم.

قوله: (والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبيلاً﴾ ).
· ﴿إنَّا﴾ الضمير عائد إلى الله عز وجل، والضمير إذا كان عائداً إلى فرد وصيغ بصيغة الجمع فهو للتعظيم.
· ﴿أَرْسَلْنَا﴾ أي بعثناه إليكم برسالة يؤديها، فافقهوا معنى هذه الرسالة وامتثلوا ما فيها.
· ﴿شَاهِداً عَلَيكُم﴾ كل رسول شهيد على أمته، وسيأتي النبي صلى الله عليه وسلم شهيداً على أمته يوم القيامة في مشهد عظيم وصفه الله بقوله: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ [النساء: 41، 42]؛ ففي هذه الآية وعيد شديد لمن عصى الرسول.
· شهادة الرسول على من كانوا في حياته بما رأى منهم، وعلى من بعده بما ترك لهم، كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المائدة: 117].
· وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(( قد تركْتكُم على البَيْضاءِ لَيْلُها كنَهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِك)). رواه أحمد وغيره من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.
· ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً﴾[المزمل: 15]، وهو موسى كليم الله صلى الله عليه وسلم.
· ﴿فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ﴾ [المزمل: 16] لم يقل فعصاه فرعون، وأعاد ذكر لفظ الرسول، لفائدة بلاغية لطيفة وهي بيان ترتب الحكم على الوصف لا على الشخص.
- استحقاق فرعون للعذاب هو لأجل أنه عصى من أرسله الله عز وجل، وليس لأجل كون الرسول هو موسى، بل لو أرسل إليه غير موسى فعصاه لاستحق العذاب أيضاً.
· ﴿فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبيلاً﴾ [المزمل: 16] أي فعذبناه عذاباً شديداً ثقيلاً متتابعاً كما يتتابع الوابل من المطر قال ابن جرير رحمه الله: (العرب تقول لمن تتابع عليه الشرّ: لقد أوبل عليه).
- عبّر بالأخذ لبيان أنه لا يفلت من هذا العذاب؛ فأخذه جل وعلا عند الغرق هو وجنوده فلم يفلتهم ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا﴾ [نوح: 25]، ذهبت أجسادهم للغرق، وأرواحهم للحرق، بسبب خطيئاتهم وطغيانهم.
· وهم في البرزخ يعذبون كم قال تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 46].
- من يعصي الرسول من هذه الأمة فإنه مستحق للعذاب الوبيل؛ نعوذ بالله من معصية الرسول.

قوله: (الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى:﴿وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾).
· الله تعالى لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا نبي مرسل ولا ملك مقرب.، بل توعد من أشرك به أحداً منهم وعيداً شديداً، بل توعد الرسل أنفسهم أنهم إن أشركوا أحبط أعمالهم وجعلهم من الخاسرين.
· قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) ﴾ [الزمر: 65، 66].
- ﴿بل اللهَ فاعبد﴾ أي لا تعبد إلا الله، لأن تقديم المعمول يفيد الحصر في لسان العرب، فالعبادة حق لله وحده.
· وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ [المائدة: 116].
· وقال تعالى: ﴿وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 80].
· وقال تعالى عن الملائكة: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) ﴾ [الأنبياء: 26-29].
· لعظيم جرم الشرك فإن الله لا يغفره كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 116].
· إذا كان أشرف الخلق وهم الأنبياء والملائكة ليس لهم نصيب من العبادة، بل يَفْرَقون فَرَقاً شديداً من أن يُدَّعى فيهم شيء من خصائص الله تعالى، ويغضبون غضباً شديداً على من يصنع ذلك، فكيف يدعونه لأنفسهم.
· في سنن أبي داوود من حديث جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعرابيُّ فقال يا رسول الله: جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا؛ فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك!، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( ويحك أتدري ما تقول!)) وسبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبِّح حتى عُرِف ذلك في وجوه أصحابِه.
ثم قال: (( ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك)).
ولما قال له رجل: (ما شاء الله وشئت) أنكر عليه وقال له:(( أجعلتني لله ندا؟!!))
· العبادة حق لله تعالى وحده ليس لأحد فيها حق كائناً من كان.
· إذا تقرر هذا فإن ما يفعله الذين يذبحون لغير الله من الأولياء والجن وغيرهم ويقدمون لهم النذور ويسألونهم الحوائج أولى بأن يكونوا من المشركين.
· قال الشيخ رحمه الله في كتابه كشف الشبهات: (إذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا (الاعتقاد) هو الشرك الذي نزل فيه القرآن وقاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس عليه، فاعلم أن شرك الأولين أخفّ من شرك أهل زماننا بأمرين:
أحدهما: أن الأولين يشركون ويدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله في الرخاء، وأما في الشدة فيخلصون لله الدعاء. كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾[الإسراء: 67] .
وقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾[الأنعام: 40، 41].
وقوله: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ﴾[الزمر: 8]، إلى قوله: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾[الزمر: 8].
وقوله: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [لقمان: 32].
فمن فهم هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه، وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعون الله ويدعون غيره في الرخاء، وأما في الضراء والشدة فلا يدعون إلا الله وحده لا شريك له وينسون ساداتهم، تبين له الفرق بين شرك أهل زماننا وشرك الأولين، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهما راسخا، والله المستعان.
الأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناسا مقربين عند الله. إما أنبياء، وإما أولياء، وإما ملائكة، أو يدعون أشجارا أو أحجارا مطيعة لله ليست عاصية.
وأهل زماننا يدعون مع الله أناسا من أفسق الناس، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك.
والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يُشاهد فسقه وفساده ويَشهد به) ا.هـ

قوله: (وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: ﴿وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾).
المساجد فيها ثلاثة أقوال:
· القول الأول: هي مواضع السجود من جسد الإنسان لأنها المساجد التي يسجد بها وهي (لله) لأن الله هو الذي خلقها فلا يجوز أن تعبد هذه المساجد إلا الله، وهذا القول مروي عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس البكري وذكره الفراء وجهاً في التفسير، وقال به الزجاج.
· القول الثاني: المساجد مصدر كالمضارب فهي بمعنى السجود يقال سجدت سجوداً ومسجداً ومساجد، وهذا قول ابن قتيبة رحمه الله.
· القول الثالث: المساجد مواضع الصلاة التي يصلى فيها ويدعى فيها فهي لله لا يجوز أن يشرك مع الله أحد، وهذا قول جمهور المفسرين لأنه المعنى المتبادر لهذا اللفظ والمعهود في القرآن.
· لَمَّا نزلت هذه الآية ﴿وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً﴾ [الجن: 18] لم يكن في الأرض إلا مسجدان معروفان: المسجد الحرام والمسجد الأقصى وهما معظمان عند العرب وعند أهل الكتاب تعظيماً كبيراً، ولهما شأن عظيم، وجمعهما على مساجد يفيد التعظيم أيضاً.
· كونُ هذه المساجد لله لا ينازع فيه أحد، فإن الأصنام محدَثة في المسجد الحرام لم تكن فيه، وقد بُنيت هذه المساجد لله لا للأصنام، فلا يجوز أن يدعى فيها غيره.
· قال ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الجن: 1] ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا﴾[الجن: 18] أيها الناس ﴿مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾[الجن: 18] ولا تشركوا به فيها شيئا، ولكن أفردوا له التوحيد، وأخلصوا له العبادة).


http://www.afaqattaiseer.net/vb/images/exa_logo/like.png (http://www.afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=14492#)