المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدرس الثاني: شرح المسائل الأربع (1/2)


هيئة الإشراف
_10 _January _2014هـ الموافق 10-01-2014م, 12:19 AM
الدرس الثاني: شرح المسائل الأربع (1/2)



قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أرْبَعِ مَسَائِلَ:
الأُولى: العِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلاَمِ بالأَدِلَّةِ.
الثَّانِيَةُ: العَمَلُ بِهِ.
الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إلَيْهِ.
الرَّابعةُ: الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ.
والدَّلِيلُ قَولُه تَعَالَى:﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾[العصر:1-3]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله تَعَالى: (هَذِهِ السُّورَةُ لَو مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إلاَّ هِيَ لَكَفَتْهُمْ).
وَقَالَ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى: (بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ والعَمَلِ، والدَّليلُ قَوْلُهُ تَعَالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:19]، فَبَدَأَ بِالعِلْمِ قَبْلَ القَولِ وَالعَمَلِ).


عناصر الدرس:
· تمهيد
· شرح البسملة
· شرح قول المؤلف: (اعلم رحمك الله )
· شرح قول المؤلف: (يجب علينا تعلم أربع مسائل...)
· بيان مراتب الجهاد وصلتها بالمسائل الأربع
· ميزات الجنديّة لله تعالى
· شرح المسألة الأولى وهي العلم
o حكم طلب العلم
o فضل العلم
o وجوب الإخلاص في طلب العلم
· شرح المسألة الثانية: وهي العمل به
o عظم شأن العمل بالعلم
o حكم العمل بالعلم
o ذم من لا يعمل بعلمه
o بيان أن ذم من لا يعمل بعلمه لا يختص بالعلماء
o هدي السلف في العمل بالعلم


تمهيد :
· كان شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يعتني بتعليم طلابه الأصول الثلاثة وهي معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وكان يلقنها للطلبة والعامة حتى يحفظوها ويعقلوا معانيها.
· كرر تأليفها مراراً وبين النسخ اختلاف في العبارات وفي بعضها عبارات عامية لأنه كان يلقنها للعامة لتصحيح فهمهم لمبادئ الإسلام وأصول الدين، لأن الشرك في زمنه كان قد فشا وانتشر واستفحل أمره بسبب الجهل وعلماء السوء وأهل البدع من الصوفية وغيرهم.
· قال محمد بن غيهب وعبد الله بن عيدان وهما من تلاميذ الشيخ في رسالتهما إلى عبد الله المويس: (الباعث للكتاب إخبارك عن ديننا قبل أن يُجعل هذا الشيخُ لهذا القَرْنِ يدعوهم إلى الله وينصح لهم ويأمرهم وينهاهم حتى أطلع الله به شموس الوحي وأظهر به الدين وفرق به أهل الباطل من السادة والكهان والمرتشين فهو غريب في علماء هذا الزمان هو في شأن وهم في شأن آخر، رفع الله له علم الجهاد فشمّر إليه؛ فأمر ونهى ودعا إلى الله تعالى، ونصح ووفّى بالعهد لما نقضوه، وشمر عن ساعد الجد لما تركوه، وتمسك بالكتاب المنزل لما نبذوه؛ فبدّعوه وكفّروه).
· وقالا: (فديننا قبل هذا الشيخ المجدد لم يبق منه إلا الدعوى والاسم؛ فوقعنا في الشرك؛ فقد ذبحنا للشياطين، ودعونا الصالحين، ونأتي الكهان، ولا نفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ولا بين توحيد الربوبية الذي أقر به مشركو العرب وتوحيد الألوهية الذي دعت إليه الرسل، ولا نفرق بين السنة والبدعة..) إلخ ما قالا.
· من عرف حال الناس في زمان الشيخ قبل هذه الدعوة المباركة عرف قيمة هذه الدعوة، وعظيم نفعها، وجلالة قدرها، وفَهِمَ سبب عناية الشيخ رحمه الله بتقرير هذه المسائل.
· ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه أثراً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية).
o معرفة حال أهل الجاهلية مهم لطالب العلم المعتني بأمر الدعوة إلى التوحيد.

بدء المؤلف رسالته بالبسملة
· البدء بالبسملة من سنن الأنبياء.
o قال الله تعالى: ﴿قالت يا أيها الملأ إنه ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين﴾ [النمل: 29].
o قال ابن عاشور: (والمظنون أن سليمان اقتدى في افتتاح كتابه بالبسملة بسنة موروثة من عهد إبراهيم).
· وفيه اتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكاتباته ومراسلاته ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل وبدأ بالبسملة.
· حديث: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع) ضعيف جداً، رواه الخطيب البغدادي في كتاب الجامع في أخلاق الراوي والرهاوي في الأربعين من حديث أبي هريرة مرفوعاً.
o ورواه الإمام أحمد وأبو داوود وابن ماجه بلفظ: (كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر) أو قال: (أقطع).
o ومن أهل العلم من حسَّنه كالسيوطي والعجلوني، وذكر السخاوي في المقاصد الحسنة أنه ألف فيه جزءاً، وضعفه الألباني وجماعة من أهل العلم، وقال الدارقطني: الصحيح عن الزهري مرسلاً.
· ذكر بعض الشراح أن المؤلف ابتدأ بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وفي هذا الاستدلال نظر، إذ لو بدأ متحدثٌ حديثه بالحروف المقطعة اقتداء بالكتاب العزيز لَعُدَّ مبتدعاً.

بيان معنى البسملة
· البسملة اسم لكلمة (باسم الله) صيغ على طريقة النحت.
· (بسم) الباء للاستعانة والتبرك، و(اسم) مفرد مضاف فيعم جميع الأسماء الحسنى.
o حذفت الألف رسماً تبعاً لحذفها لفظاً للكثرة.
· متعلق الجار والمجرور محذوف ويقدر بفعل يناسب المقام نحو: أَكْتُبُ، أو أعلِّمُ
o يصح أن يقدر المتعلق اسماً كما دل عليه قوله تعالى: ﴿وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها﴾[هود: 41]، ويصح تقديره فعلاً كما دل عليه قوله تعالى: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾[العلق: 1].
o الاستعانة بالله وشهود منته وطلب حفظه وتسديده من أسباب تمام العمل ونجاحه؛ فينبغي للمعلم أن يستحضر معاني البسملة وأن تمام الأمر إنما هو بحول الله وقوته ومنته والعبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله.
· (الله) عَلَمٌ على الباري جل وعلا.
o قال سيبويه: (الله) أعرف المعارف.
o قال بعض علماء اللغة: أصله (الإله)، وهو فِعَالٌ بمعنى مفعول.
o المألوه هو المعبود الذي تألهه الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً.
o هذا الاسم هو الجامع لجميع صفات الكمال والجلال والجمال، ويدل عليها بالتضمن واللزوم.
o وهو اسم مختص بالله جل وعلا، ولهذا تضاف الأسماء الحسنى إليه ولا يضاف إليها؛ فيقال: الرحمن والرحيم والغفور من أسماء الله، ولا يقال العكس.
o (اللهم) معناها يا الله، زيدت الميم عوضاً عن النداء، ولذلك لا تقال إلا في الدعاء.
· (الرحمن) أي ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء.
· (الرحيم) الذي يرحم من يشاء من خلقه.
o جميع ما في الكون من خير فهو من آثار رحمة الله.
o الهداية للحق من آثار الرحمة الخاصة.
o قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ( (الرحمن) دالٌّ على الصفة القائمة به سبحانه، و(الرحيم) دال على تعلقها بالمرحوم؛ فكان الأول للوصف والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيماً)، (إنه بهم رؤوف رحيم) ولم يجئ قط رحمن بهم، فعلم أن (رحمن هو الموصوف بالرحمة، و(رحيم) هو الراحم برحمته).
· اقتصر المؤلف على البسملة اختصاراً لئلا يطيل على القارئ بالخطبة، ولأن البسملة من أبلغ الذكر والثناء.

شرح قول المؤلف: (اعلم رحمك الله)
· البدء بهذه الصيغة (اعلم) فيه تنبيه للقارئ، والدعاء له فيه تلطف.
· استرعاء انتباه الطلاب والسامعين من سمات المعلم والداعية المؤثر.
o الرفق بالطالب والنصح له من سمات العالم الرباني.
o مبنى الدعوة والتعليم على الرحمة والنصح.
· العلم: إدراك المعلوم.
· الفرق بين العلم والمعرفة أن المعرفة مسبوقة بجهل أو غفلة غالباً، وقد تطلق على لازمها.
· قوله: (رحمك الله) دعاء للطالب بالرحمة، ومن رحمة الله بطالب العلم أن يوفق لحسن الفهم، وينتفع بما يقرأ ويسمع، وأن يغفر له الذنوب التي يحرم بسببها التوفيق.
o المغفرة من آثار الرحمة؛ فالرحمة أعم من المغفرة.

شرح قول المؤلف: (يجب علينا تعلم أربع مسائل...)
· قوله: (يجب علينا) فيه تنبيه آخر للقارئ ليعتني بمعرفة ما يجب عليه.
· الوجوب هنا يراد به الوجوب العيني.
· هذه المسائل الأربع هي منهاج حياة المسلم.
· يتفاضل الناس في تحقيق هذه المسائل على درجات كثيرة.
· ينبغي لطالب العلم أن يأخذ بنصيب وافر من هذه المسائل.
· كان الشيخ رحمه الله يعتني بذكر الأعداد في رسائله من باب التعليم والإعانة على الحفظ والضبط فله المسائل الأربع، والمسائل الثلاث، والأصول الثلاثة والأصول الستة وغيرها.
· ذكر الأعداد له فائدة تعليمية وهو منهج نبوي في التعليم، وفي الأحاديث الصحيحة: (( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً.. ))، (( وثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان )) وغير ذلك من الأحاديث.
· ذكر العدد يعين على الضبط والحفظ والاستذكار.
· هذه المسائل يجب على المسلم أن يجاهد نفسه عليها.

مراتب الجهاد
· مراتب الجهاد كما ذكرها ابن القيّم رحمه الله في زاد المعاد أربعة: جهادُ النفس، وجهادُ الشيطان، وجهادُ الكفار، وجهادُ المنافقين.
· جهاد النفس أربعُ مراتب أيضاً هي: العلم والعمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، وهي المسائل الأربع التي هي موضوع هذا الدرس.
o قال ابن القيم: (فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربَّانِيينَ، فإن السلفَ مُجمِعُونَ على أن العَالِمَ لا يَستحِقُّ أن يُسمى ربَّانياً حتى يعرِفَ الحقَّ، ويعملَ به، ويُعَلِّمَه، فمَن علم وَعَمِلَ وعَلَّمَ فذاكَ يُدعى عظيماً في ملكوتِ السموات).
· وجهادُ الشيطان مرتبتان: جهادُه على دفع الشبهات، وجهاده الإرادات الفاسدة والشهواتِ، فالجهادُ الأول يكون بعده اليقين، والثاني يكون بعدَه الصبر.
· وجهادُ الكفار والمنافقين أربع مراتب: بالقلب واللِّسان والمالِ والنفسِ، وجهادُ الكفار أخصُّ باليد، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللسان.
· وجهادُ أرباب الظلم والبِدعِ والمنكرات ثلاث مراتبَ: الأولى: باليدِ إذا قَدَرَ، فإن عَجَزَ، انتقل إلى اللِّسان، فإن عَجَزَ، جاهد بقلبه.
· قال ابن القيم: (فهذِهِ ثلاثةَ عشرَ مرتبةً من الجهاد، و"مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النَّفَاقِ")ا.هـ وهو كلام نفيس سديد.
· من تأمّل هذه المراتب تبيّن له منهاجه في الحياة؛ وحرص على إحسان الجهاد بهذه المراتب على هدي الكتاب والسنة،وقد قال الله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ..﴾[الحج: 78]الآية.
· الأمر بالجهاد في أي نوع من أنواعه لا يجب فيه على المكلف إلا ما يستطيع كما قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾[التغابن: 16] وهذا يقطع على النفس عذر المشقة واستصعاب القيام بهذه الأمور.
· كل من يقوم بواجبه في ذلك من المؤمنين في أي نوع من أنواع الجهاد فهو من جند الله وحزبه، وهذا هو التجنيد الصحيح بل هو أفضل التجنيد، وهو أن تكون جندياً لله تعالى فتعملَ بمرضاة الله وتنالَ محبته ورضوانه وفضله العظيم.
· شرَّف الله جنده ووعدهم بالنصر والتمكين ونسبهم إليه جل وعلا نسبة تشريف فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾[الصافات: 171-173].
· من أهم صفات الجندية الطاعة والتسليم والعمل بما يكلف به، واستشعار مسؤولية العمل الذي استعمل عليه، وهذه الصفات مقررة في الكتاب والسنة في مواضع كثيرة.
· تأمل الفرق العظيم بين من جنَّد نفسه لله، ومن جنَّد نفسه لهواها وللشيطان وللطواغيت.
· ومن أبى أن يكون جندياً لله تعالى فقد جنَّد نفسه لغيره شاء أم أبى.
· الجندية لله تعالى جندية شريفة كريمة بصيرة منصورة بخلاف الجندية للطواغيت.
· الجندية لله تعالى مرتبطة بهذه المسائل الأربع: العلم والعمل والدعوة والصبر.
· هذه المسائل الأربع ليست أعمالاً يؤديها الإنسان في مدة يسيرة ثم يتركها، بل هي منهاج حياته ما دام في دار الابتلاء؛ فهو مطالب بها إلى أن يتوفاه الله عز وجل أو يرتفع عنه التكليف.
· لا ينبغي أن تكون دراستنا للمتون العلمية دراسة نظرية نستكثر بها من المعلومات فحسب، وإنما التعلم الصحيح أن نجعلها منهجاً علمياً وعملياً نمتثله في حياتنا، وأن تكون حياتنا لله، وهمتنا لإعلاء كلمة الله، ورسالتنا أن نحيا في سبيل الله ونموت في سبيل الله ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين﴾[الأنعام: 162، 163].

شرح المسألة الأولى وهي العلم
· المراد بالعلم هنا العلم الشرعي.
· عرف العلم الشرعي بأنه معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
· شرح هذا التعريف هو موضوع رسالة ثلاثة الأصول وأدلتها.
· معرفة الله تكون بالإيمان به وعبادته وحده لاشريك له.
o سبيل معرفة الله: التفكر في آيات الله المتلوّة وآياته الكونية.
o روى ابن حبان في صحيحه عن طلحة بن خراش يحدث عن جابر بن عبد الله أن (رجلا قام يركع ركعتي الفجر وقرأ في الركعة الأولى ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾[الكافرون: 1] حتى انقضت السورة فقال النبي (( هذا عبد عرف ربه ))، وقرأ في الآخرة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص: 1] حتى انقضت السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(( هذا عبد آمن بربه عز وجل )) قال طلحة: وأنا أحب أن أقرأ بهاتين السورتين في هاتين الركعتين).
o قال محمد بن نصر المروزي رحمه الله في كتاب تعظيم قدر الصلاة: (من عرف ربه واعترف به أوجبت معرفته حبه وهيبته ورجاءه وخوفه، والدليل على ذلك أنه لو أعطى الدنيا كلها على أن تكفر به أو تكذب عليه ما فعل)ا.هـ.
· ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بالإيمان به واتباع هديه.
· ومعرفة دين الإسلام تكون بتعلم العلم الشرعي الذي مبناه على آيات الكتاب العزيز وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فهي الأدلة على دين الإسلام.
· يطلق لفظ الإسلام على ثلاثة معان:
o المعنى الأول: الإسلام الكوني العام، ويراد به خضوع جميع المخلوقات لأمر الله الكوني كما في قوله تعالى: ﴿وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرها﴾[آل عمران: 83].
o المعنى الثاني: الإسلام الشرعي العام وهو دين الأنبياء جميعاً ويراد به توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة كما في جاء آيات كثيرة عن عدد من الأنبياء أنهم من المسلمين، وكما في قوله تعالى: ﴿يحكم بها النبيون الذين أسلموا﴾[المائدة: 44].
o المعنى الثالث: الإسلام الشرعي الخاص وهو الشريعة المحكمة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي المرادة في قوله تعالى: ﴿ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾[المائدة: 3] وقوله: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه﴾[آل عمران: 85]، وهو المراد هنا.
· الدليل هو طريق العلم والمرشد إليه، والأدلة على قسمين: سمعي وعقلي.
o الأدلة السمعية:التي مستندها الثبوت بالتلقي سماعاً أو ما يقوم مقام السماع، وهي أدلة الكتاب والسنة والإجماع.
o الأدلة العقلية: هي التي مستند ثبوتها العقل والنظر.

حكم طلب العلم
· قال الإمام أحمد: (يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه) قيل له: مثل أي شيء؟ قال: (الذي لا يسعه جهله صلاته وصيامه ونحو ذلك).
· يجب على العبد أن يتعلم ما يؤدي به الواجب ويكف به عن المحرم ويتم به معاملاته.
· ما زاد على القدر الواجب من العلوم الشرعية فهو فرض كفاية على الأمة.
· قال سفيان بن عيينة: (طلب العلم والجهاد فريضة على جماعتهم ويجزئ فيه بعضهم عن بعض) وتلا هذه الآية ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِم﴾[التوبة: 122].
· قال ابن عبد البر: (قد أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه، ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك الموضع).


فضل العلم
· قال الله تعالى: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾[المجادلة: 11]، وقال: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾[فاطر: 28]، وقال: ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾[الزمر: 9].
· عن معاوية رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ )). متفقٌ عَلَيْهِ.


وجوب الإخلاص في طلب العلم
· في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، وذكر منهم رجلاً جمع القرآن ليقال: قارئ.
· عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ لا يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ)) يَعْنِي: رِيحَهَا. رواه أَبُو داود بإسناد صحيح
· قال مالك بن دينار: (مَن تعلَّمَ العلمَ لِلعملِ كَسَرَهُ علمُه، وَمَن طَلبهُ لِغيرِ العملِ زادهُ فَخْرًا).
· قَال مطر الوراق: (خيرُ العلمِ مَا نفع، وإنَّما ينفعُ الله بالعلم مَن عَلِمَهُ ثُمَّ عَمِلَ به، ولا ينفَعُ به مَن عَلِمَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ).
شرح المسألة الثانية: وهي العمل به

عظم شأن العمل بالعلم
· العمل بالعلم شأنه عظيم فثواب العاملين بالعلم ثواب عظيم كريم كما قال الله تعالى: ﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾[الزمر: 74].
· وعقوبة تاركي العمل عظيمة شنيعة والقوارع عليهم في الكتاب والسنة شديدة كما قال الله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾[البقرة: 44]، وقال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) ﴾[الأعراف: 175، 176].
· عن أسامةُ بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:((يُؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُلْقى في النار، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بها كما يدُور الحمار في الرَّحَى، فيجتمع إِليه أَهلُ النار، فيقولون: يا فُلانُ مالك؟ أَلم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأَنْهَى عن المنكر وآتيه)). متفق عليه.
· عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمُره فيما أفناه؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
· وعن أبي برزة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء على الناس وتحرق نفسها )) رواه البزار وصححه الألباني.

حكم العمل بالعلم
· الأصل في العمل بالعلم أنه واجب، وأن من لا يعمل بعلمه مذموم بكل حال، وعند التفصيل نجد أن العمل بالعلم على درجات:
...· الدرجة الأولى: ما يلزم منه البقاء على دين الإسلام وهو التوحيد واجتناب نواقض الإسلام، والمخالف في هذه الدرجة كافر غير مسلم.
...· والدرجة الثانية: ما يتأكّد وجوب العمل به كالفرائض واجتناب الكبائر، والمخالفة في هذه الدرجة فاسق من عصاة الموحّدين.
...· الدرجة الثالثة: ما يستحبّ العمل به وهو نوافل العبادات واجتناب المكروهات.
· من عَلِمَ وجوبَ فريضة من الفرائض وَجَب عليه أداؤها، ومَن علم تحريم شيء من المحرمات وجب عليه اجتنابه.
· من العمل بالعلم ما هو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
· يجب على طالب العلم أن يكون حريصاً على أداء الواجبات واجتناب المحرمات هذا في المقام الأول، ثم يؤدي من السنن والمستحبات ما يتيسر له ويفتح الله له به عليه.

ذمُّ من لا يعمل بعلمه
· قال الله تعالى: ﴿أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون﴾[البقرة: 44].
· وقال: ﴿مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً...﴾[الجمعة: 5] الآية.
· وقال: ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين (175) ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث...﴾[الأعراف: 175، 176] الآية.
· في حديث أبي هريرة في أول من تسعر بهم النار أنه يقال لقارئ القرآن: ماذا عملت فيما علمت.
· لأهمية هذا الأمر أفرده بعض العلماء بالتأليف، فكتب الحافظ ابن عساكر (ت:571هـ) رسالة (ذم من لا يعمل بعلمه) وألف الخطيب البغدادي (ت:463هـ) كتاب (اقتضاء العلم العمل)
· أفرد له ابن عبد البر فصلاً في جامع بيان العلم وفضله، وقبله الآجري في أخلاق العلماء، وكذلك ابن رجب في فضل علم السلف على علم الخلف، وابن القيم في مفتاح دار السعادة.
· قال أبو إسحاق الألبيري:
وإن أوتيت فيه طويل باع... وقال الناس إنك قد سبقت
فلا تأمن ســــؤال الله عنه... بتوبيـخ علمت فهل عملت


بيان أن ذم من لا يعمل بعلمه لا يختص بالعلماء
· من الخطأ أن يظن أن أحاديث الوعيد في ترك العمل بالعلم خاصة بالعلماء وطلاب العلم.
· كل من علم حكماً شرعياً وجب عليه العمل بمقتضاه، واستحق الذم على ترك العمل به إذا تركه.

هدي السلف في العمل بالعلم

· كان من هدي أئمة الدين رحمهم الله الحرص على العمل بالعمل.
o قال الإمام أحمد:ما كتبت حديثاً إلا وقد عملت به.
o وقال سفيان الثوري: ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلا عملت به ولو مرة واحدة.
o وقال عمرو بن قيس السّكوني: إذا سمعت بالخير فاعمل به، ولو مرة واحدة.
o وعن وكيع والشعبي وإسماعيل بن إبراهيم بن مجمع أنهم قالوا: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.
· إذا وطن طالب العلم نفسه على العمل بما يتعلمه من العلم، ولو مرة واحدة، كان ذلك تدريباً له وتعويداً على العمل.
· النفس إذا عوِّدت على أمر تعودت عليه وسهل عليها، فتتعود نفسه على العمل، ويترقى بذلك في مراقي العبودية، ولا يزال العبد يزداد بذلك من التوفيق والفضل العظيم، ويجد من البركة في حياته وأعماله ما هو من ثمرات امتثاله واحتسابه في العمل بما تعلم، نسأل الله من فضله.
· قال مالك بن دينار رحمه الله: (ما من أعمال البر شيء، إلا ودونه عقيبة، فإن صبر صاحبها، أفضت به إلى رَوح، وإن جزع رجع).
· أعظم ما يعين على العمل بالعلم أن يربي الإنسان نفسه على اليقين والصبر، ولذلك تجد الإنسان لا يعصي الله تعالى إلا حين يضعف يقينه ويضعف صبره.
· اليقين يبصّر صاحبه بعظيم العقاب على المعاصي فلا يقدم عليها صاحب لبّ، ويبصّره بعظيم الثواب على الطاعات فلا يفرط فيها إلا مغبون.
· يدلّ على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم عن المنافقين في شأن صلاتي الفجر والعشاء: (ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً).؛ فكان ضعف العلم اليقيني بالثواب سبباً في زهدهم فيه.



http://www.afaqattaiseer.net/vb/images/exa_logo/like.png (http://www.afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=14358#)