عبد الله الداخل
_9 _November _2013هـ الموافق 9-11-2013م, 12:57 PM
توطئة
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء رحمة وعلماً وتقديراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والصلاة والسلام على من بعثه الله هادياً وبشيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن هذا الكتاب باكورة قائمة من الكتب التعليمية أردت منها أن تكون دليلاً للمعلّمين تعينهم على شرح المتون العلمية ويستفيد منها نجباء الطلاب فتختصر عليهم كثيراً من الجهد والوقت وتكفيهم مكابدة العناء في المقابلة بين الشروح وحلّ المشكلات وتأصيل البحث في المسائل العلمية.
وقد حرصت فيها على تقريب ما يحتاجه المعلّم من تنظيم مسائل الشرح وترتيب مباحثه وجمع الأدلّة والفوائد والنقول التي يستعين بها على الشرح فلا يجد فيه مؤونة كبيرة بعد ذلك بإذن الله.
وقد عرفت من أحوال عدد من طلاب العلم أنهم إنما يعوّقهم عن كثير من الدروس ما تتطلبه من مؤونة التحضير الجيّد والإعداد العلمي الذي يأملونه مع أهليّة كثير منهم لذلك إلا أن الإعداد الجيّد يستهلك من الوقت والجهد ما لا يخفى على المشتغلين بالتعليم.
وقد يسّر الله لي الاشتغال بعدد من المتون العلمية ودراستها مرات عديدة ومقابلة شروحها بعضها ببعض وتلخيص ذلك في كشافات تحليلية تقرب لطالب العلم ما تضمنته الشروح وتجمع له ما تفرّق، وتنظّم له مسائل الدروس، وتكامل مباحثها، لكنها كانت في عامتها رؤوس مسائل تذكّر المعلّم بما يحسن به العناية به، ولا تغنيه عن الرجوع إلى الشروح ليسترجع ما قيل في كلّ مسألة.
فأردت بعد تأمّل وتروّي ومضيّ نحو عشر سنوات على إعداد تلك الكشافات أن أعيد صياغتها وأتمّم مباحثها بما يغني المعلّم عن الرجوع لمراجع أخرى عند التحضير إلا فيما لا بدّ له منه في بعض المسائل.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكتب نافعة مباركة وأن يتقبلّها بقبول حسن، وأن ييسر بها على المعلّمين شرح المتون العلمية وأن يجعل لها أثراً محموداً في تنشيط الدروس العلمية وتيسيرها وإحسانها.
ومما يحسن تنبيه المعلّم عليه أن يراعي أحوال طلابه ويلقي إليهم من مسائل العلم ما يرى مناسبته لهم؛ ليكون أدعى لقبولهم إيّاها، فإن رأى منهم حسن فهم وسعة إدراك ألقى إليهم هذه المادة وأضاف إليها ما تحسن إضافته مما يناسب حالهم، وإن خشي التطويل عليهم وازدحام المعلومات في أذهانهم ألقى إليهم المهمّ من ذلك واعتنى بمقاصد الدروس عناية خاصّة.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
مناهج العلماء في شرح المتون العلمية
من مهمّات ما ينبغي لطالب العلم أن يتبيّنه تنوّع طرائق أهل العلم في شرح المتون العلمية، وما لكل طريقة من الفوائد، وما عليها من المؤاخذات، لتكون دراسته مبنيّة على معرفة بيّنة بما يوافق مستواه العلمي، وغرضه التعليمي، ويفيده في حسن التعلم، واكتمال بنائه العلمي وتوازنه.
وقد تأمّلتُ مناهجَ أهلِ العلم في شرح المتون العلمية فوجدتها على أنواع:
النوع الأول: الشرح الإجمالي؛ الذي يريد منه الشارحُ توضيح عبارات المتن باقتضاب شديد والإلمام السريع بمباحث ذلك المتن.
ولهذا المنهج فائدة جليلة في اكتساب تصوّر أوّلي سريع لمسائل المتن، وتناسب ارتباطها بعضها ببعض.
ولكن الاكتفاء به لا ينتج للطالب تحصيلاً علمياً يُعتمد عليه، ولذلك تجد الغالب على من سلك هذه الطريقة في الدراسة الضعف العلمي، وإن درس عدداً من المتون العلمية.
النوع الثاني: الشرح التحليلي الذي لا يكاد يغادر صاحبه لفظة من ألفاظ المتن إلا ويعلق عليها أو يشرحها، بل ربما أعربها.
ولهذا التحليل والتفصيل فوائد قيّمة في فهم عبارات المتن، وحلّ المشكلات، والإلمام بتفصيلات المسائل التي يذكرها الماتن، وهو أنفع مما قبله.
لكن يؤخذ على هذه الطريقة إفاضتها في التفصيلات إلى درجة تجعل الطالب يحس من نفسه أن تلك المعلومات ينسي بعضها بعضاً وتذهله عن المقصد العام لموضوع الدرس الذي يدرسه، وربما اشتغل ذهنه بأنواع من المسائل الاستطرادية التي ليس لها صلة مباشرة بموضوع الدرس. فإن اكتفى طالب العلم بهذا المنهج أو لم يعقبه بمراجعة جيدة لأهم المسائل المتصلة بمقاصد الدرس نسي كثيراً مما درس، ولم يرسخ في ذهنه إلا بعض الفوائد والمسائل التي ترتبط لديه ذهنيّا بأمور مهمة.
النوع الثالث: الشرح التأصيلي، الذي يُعتني فيه بالتركيز على قواعد الباب وأنواع مسائله وأدلتها، ومن يسلك هذا المنهج من العلماء يعتني ببيان مقاصد الدرس أكثر من عنايته بشرح عبارات المتن، بل ربما لا يعرض لشرح عبارات المتن أصلاً، وإذا قرئ عليه المتن بدأ بشرحٍ عامّ لموضوع الدرس، ثم أفاض في تأصيل مسائله، ثم إن وجد في الوقت بقية عرض لبعض عبارات المتن بشيء من التعليق.
ذلك لأنه صرف عنايته إلى بيان تأصيل المسائل التي تضمّنها ذلك الباب، ولو كان بعضها غير مذكور في المتن، والاجتهاد في ربط تلك المسائل بأدلتها وتقسيماتها. وهذا المنهج أنفع المناهج لطالب العلم لأنه يعينه على بناء الملكة العلمية التي يتمكن بها من فهم مسائل العلم، وارتباط بعضها ببعض، وطرق دلالة الأدلة عليها، وغير ذلك من الفوائد العلمية. ويؤخذ على هذا المنهج أنه ربما يفوت الطالبَ فهمُ بعض العبارات المشكلة في المتن لانشغال الشارح عن شرح عبارات المتن التي قد يشكل بعضها على طلاب العلم.
فإذا جمع الطالب مع هذا الشرح قراءة المتن قراءة متأنية، وسأل عما يشكل عليه أتى على سدّ الخلل، واكتمل انتفاعه بهذه الطريقة.
النوع الرابع: الشرح الجَمْعي، الذي يجمع صاحبه الفوائد المتفرقة في شروح متعددة.
ويمتاز هذا المنهج بكثرة الفوائد العلمية لاعتماد الشارح على شروح العلماء السابقين، وعنايته بجمعها والمكاملة بينها وتلخيصها للطالب، وعرضها بأسلوب ميسّر منظّم.
وهذا المنهج في نقده تفصيلات يطول ذكرها لاختلاف طرق سالكي هذا المنهج في الجمع والتلخيص والتهذيب، ولكل طريقة ما يحمد لها ويؤخذ عليها، لكن كلّما كان الشارح أكثر إتقانا في الجمع والتلخيص وحسن الأسلوب كان شرحه أنفع.
النوع الخامس: الشرح التقريري، الذي يعتني فيه الشارح بإفادة الطالب بالفوائد واللطائف التي اجتناها والنقول المستملحة والنكت وما جرى مجراها، ويغلب على سالكي هذا المنهج من العلماء اختيار طريقة التحشية على المتون.
ولهذا المنهج فوائد حسنة لا يحسن الاكتفاء بها، ويفضّل عند الاختيار تأجيل هذا الشرح ليكون آخر ما يطّلع عليه دارس المتن.
وقد يحتاج الطالب الجادّ إلى الجمع بين هذه المناهج عند دراسته للمتن العلمي، ليكون بعد دراسته لها بهذه الطريقة أحسن فهما وأكثر تحصيلاً وأكمل استعداداً لدراسة المتون العلمية المتقدّمة.
وقد حرصت في هذه السلسلة على الجمع بين مزايا هذه المناهج ما استطعت، وأسأل الله التوفيق والسداد.
وأصعب ما في الطريق أوّله، ومن تبيّنت له الطريقة واعتاد السير في الطريق سهل عليه المضيّ فيه بمهارة، والله المستعان.
الحمد لله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء رحمة وعلماً وتقديراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والصلاة والسلام على من بعثه الله هادياً وبشيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن هذا الكتاب باكورة قائمة من الكتب التعليمية أردت منها أن تكون دليلاً للمعلّمين تعينهم على شرح المتون العلمية ويستفيد منها نجباء الطلاب فتختصر عليهم كثيراً من الجهد والوقت وتكفيهم مكابدة العناء في المقابلة بين الشروح وحلّ المشكلات وتأصيل البحث في المسائل العلمية.
وقد حرصت فيها على تقريب ما يحتاجه المعلّم من تنظيم مسائل الشرح وترتيب مباحثه وجمع الأدلّة والفوائد والنقول التي يستعين بها على الشرح فلا يجد فيه مؤونة كبيرة بعد ذلك بإذن الله.
وقد عرفت من أحوال عدد من طلاب العلم أنهم إنما يعوّقهم عن كثير من الدروس ما تتطلبه من مؤونة التحضير الجيّد والإعداد العلمي الذي يأملونه مع أهليّة كثير منهم لذلك إلا أن الإعداد الجيّد يستهلك من الوقت والجهد ما لا يخفى على المشتغلين بالتعليم.
وقد يسّر الله لي الاشتغال بعدد من المتون العلمية ودراستها مرات عديدة ومقابلة شروحها بعضها ببعض وتلخيص ذلك في كشافات تحليلية تقرب لطالب العلم ما تضمنته الشروح وتجمع له ما تفرّق، وتنظّم له مسائل الدروس، وتكامل مباحثها، لكنها كانت في عامتها رؤوس مسائل تذكّر المعلّم بما يحسن به العناية به، ولا تغنيه عن الرجوع إلى الشروح ليسترجع ما قيل في كلّ مسألة.
فأردت بعد تأمّل وتروّي ومضيّ نحو عشر سنوات على إعداد تلك الكشافات أن أعيد صياغتها وأتمّم مباحثها بما يغني المعلّم عن الرجوع لمراجع أخرى عند التحضير إلا فيما لا بدّ له منه في بعض المسائل.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذه الكتب نافعة مباركة وأن يتقبلّها بقبول حسن، وأن ييسر بها على المعلّمين شرح المتون العلمية وأن يجعل لها أثراً محموداً في تنشيط الدروس العلمية وتيسيرها وإحسانها.
ومما يحسن تنبيه المعلّم عليه أن يراعي أحوال طلابه ويلقي إليهم من مسائل العلم ما يرى مناسبته لهم؛ ليكون أدعى لقبولهم إيّاها، فإن رأى منهم حسن فهم وسعة إدراك ألقى إليهم هذه المادة وأضاف إليها ما تحسن إضافته مما يناسب حالهم، وإن خشي التطويل عليهم وازدحام المعلومات في أذهانهم ألقى إليهم المهمّ من ذلك واعتنى بمقاصد الدروس عناية خاصّة.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
مناهج العلماء في شرح المتون العلمية
من مهمّات ما ينبغي لطالب العلم أن يتبيّنه تنوّع طرائق أهل العلم في شرح المتون العلمية، وما لكل طريقة من الفوائد، وما عليها من المؤاخذات، لتكون دراسته مبنيّة على معرفة بيّنة بما يوافق مستواه العلمي، وغرضه التعليمي، ويفيده في حسن التعلم، واكتمال بنائه العلمي وتوازنه.
وقد تأمّلتُ مناهجَ أهلِ العلم في شرح المتون العلمية فوجدتها على أنواع:
النوع الأول: الشرح الإجمالي؛ الذي يريد منه الشارحُ توضيح عبارات المتن باقتضاب شديد والإلمام السريع بمباحث ذلك المتن.
ولهذا المنهج فائدة جليلة في اكتساب تصوّر أوّلي سريع لمسائل المتن، وتناسب ارتباطها بعضها ببعض.
ولكن الاكتفاء به لا ينتج للطالب تحصيلاً علمياً يُعتمد عليه، ولذلك تجد الغالب على من سلك هذه الطريقة في الدراسة الضعف العلمي، وإن درس عدداً من المتون العلمية.
النوع الثاني: الشرح التحليلي الذي لا يكاد يغادر صاحبه لفظة من ألفاظ المتن إلا ويعلق عليها أو يشرحها، بل ربما أعربها.
ولهذا التحليل والتفصيل فوائد قيّمة في فهم عبارات المتن، وحلّ المشكلات، والإلمام بتفصيلات المسائل التي يذكرها الماتن، وهو أنفع مما قبله.
لكن يؤخذ على هذه الطريقة إفاضتها في التفصيلات إلى درجة تجعل الطالب يحس من نفسه أن تلك المعلومات ينسي بعضها بعضاً وتذهله عن المقصد العام لموضوع الدرس الذي يدرسه، وربما اشتغل ذهنه بأنواع من المسائل الاستطرادية التي ليس لها صلة مباشرة بموضوع الدرس. فإن اكتفى طالب العلم بهذا المنهج أو لم يعقبه بمراجعة جيدة لأهم المسائل المتصلة بمقاصد الدرس نسي كثيراً مما درس، ولم يرسخ في ذهنه إلا بعض الفوائد والمسائل التي ترتبط لديه ذهنيّا بأمور مهمة.
النوع الثالث: الشرح التأصيلي، الذي يُعتني فيه بالتركيز على قواعد الباب وأنواع مسائله وأدلتها، ومن يسلك هذا المنهج من العلماء يعتني ببيان مقاصد الدرس أكثر من عنايته بشرح عبارات المتن، بل ربما لا يعرض لشرح عبارات المتن أصلاً، وإذا قرئ عليه المتن بدأ بشرحٍ عامّ لموضوع الدرس، ثم أفاض في تأصيل مسائله، ثم إن وجد في الوقت بقية عرض لبعض عبارات المتن بشيء من التعليق.
ذلك لأنه صرف عنايته إلى بيان تأصيل المسائل التي تضمّنها ذلك الباب، ولو كان بعضها غير مذكور في المتن، والاجتهاد في ربط تلك المسائل بأدلتها وتقسيماتها. وهذا المنهج أنفع المناهج لطالب العلم لأنه يعينه على بناء الملكة العلمية التي يتمكن بها من فهم مسائل العلم، وارتباط بعضها ببعض، وطرق دلالة الأدلة عليها، وغير ذلك من الفوائد العلمية. ويؤخذ على هذا المنهج أنه ربما يفوت الطالبَ فهمُ بعض العبارات المشكلة في المتن لانشغال الشارح عن شرح عبارات المتن التي قد يشكل بعضها على طلاب العلم.
فإذا جمع الطالب مع هذا الشرح قراءة المتن قراءة متأنية، وسأل عما يشكل عليه أتى على سدّ الخلل، واكتمل انتفاعه بهذه الطريقة.
النوع الرابع: الشرح الجَمْعي، الذي يجمع صاحبه الفوائد المتفرقة في شروح متعددة.
ويمتاز هذا المنهج بكثرة الفوائد العلمية لاعتماد الشارح على شروح العلماء السابقين، وعنايته بجمعها والمكاملة بينها وتلخيصها للطالب، وعرضها بأسلوب ميسّر منظّم.
وهذا المنهج في نقده تفصيلات يطول ذكرها لاختلاف طرق سالكي هذا المنهج في الجمع والتلخيص والتهذيب، ولكل طريقة ما يحمد لها ويؤخذ عليها، لكن كلّما كان الشارح أكثر إتقانا في الجمع والتلخيص وحسن الأسلوب كان شرحه أنفع.
النوع الخامس: الشرح التقريري، الذي يعتني فيه الشارح بإفادة الطالب بالفوائد واللطائف التي اجتناها والنقول المستملحة والنكت وما جرى مجراها، ويغلب على سالكي هذا المنهج من العلماء اختيار طريقة التحشية على المتون.
ولهذا المنهج فوائد حسنة لا يحسن الاكتفاء بها، ويفضّل عند الاختيار تأجيل هذا الشرح ليكون آخر ما يطّلع عليه دارس المتن.
وقد يحتاج الطالب الجادّ إلى الجمع بين هذه المناهج عند دراسته للمتن العلمي، ليكون بعد دراسته لها بهذه الطريقة أحسن فهما وأكثر تحصيلاً وأكمل استعداداً لدراسة المتون العلمية المتقدّمة.
وقد حرصت في هذه السلسلة على الجمع بين مزايا هذه المناهج ما استطعت، وأسأل الله التوفيق والسداد.
وأصعب ما في الطريق أوّله، ومن تبيّنت له الطريقة واعتاد السير في الطريق سهل عليه المضيّ فيه بمهارة، والله المستعان.